هناك ثلاثة دروس أساسية تُعلمنا إياها الحالة التي آلت إليها صنعاء اليوم، ودرب الندامة الذي سار فيه الأشقاء اليمنيون (دُفعوا نحوه مرات، وذهبوا إليه بإرادتهم مرات أخرى)، والمصير الذي ينتظرهم.
الدرس الأول، أن المشكلة الأساسية في هذا البلد هي مشكلة تنموية من الطراز الأول؛ وتأجيل منح التنمية الأولوية الأولى راكم من الفشل في نواح متعددة، وأوجد المزيد من الأزمات السياسية التي أعاقت مسار بناء الدولة والتكامل والاندماج الاجتماعي والسياسي فيها، ما جعل الناس ينسون التنمية وحقهم في حياة كريمة ومعافاة، لينشغلوا بتقاسم السلاح والموت والدمار. إذ تُعتبر مؤشرات التنمية البشرية في اليمن من بين الأدنى على مستوى العالم، وذلك من حيث ارتفاع معدلات وفيات الأطفال، وسوء تغذيتهم، وتفشي الأمية، وانخفاض معدلات الالتحاق بالمدارس، ولاسيما بين الفتيات. ويقع اليمن اليوم في ذيل قائمة دول العالم في مؤشر التنمية البشرية، فيحتل المرتبة 154 من أصل 187، وما يزال يعاني من مشاكل تقليدية؛ ممثلة في تخلف البنى الاجتماعية والاقتصادية، حيث تصل نسب الأمية نحو 65 %، وتزيد نسب الفقر على 50 %. كما يعد اليمن مستودع البطالة في الشرق الأوسط، والتي تصل إلى 35 %.
وسط هذه الظروف، يبدو حجم تعقيد ومصير عمليات الإصلاح السياسي، إذا ما أخذت بعين الاعتبار أولوية التنمية وعدالة توزيع الموارد وكفاءة إدارتها. فما جرى تحت عناوين الإصلاحات السياسية منذ التسعينيات لم يكن أكثر من عمليات ترقيع سياسي ومحاصصات.
الدرس الثاني الذي نتعلمه من مشهد صنعاء اليوم، أن الحل الديمقراطي لا يستقيم من دون توفير آليات عادلة لتمثيل مكونات المجتمع كافة. فما يحدث اليوم يشير بوضوح إلى بداية نهاية حقبة طويلة من الحياة السياسية في اليمن، سيطر عليها آل الأحمر وقبيلتهم الكبرى حاشد على مدى أربعة عقود، مع تهميش طويل لبقية مكونات المجتمع اليمني؛ مرة باسم شرعية الثورة، ومرة باسم الديمقراطية.
ينتمي الحوثيون إلى الزيدية التي حكمت شمال اليمن عدة قرون، فيما يصورهم الإعلام أحيانا وكأنهم جاؤوا من الفضاء. وقد بقي حكمهم سائدا إلى العام 1962، حينما سقطت الدولة الإمامية الزيدية. منذ ذلك الوقت، انكفأت الزيدية وهمش أتباعها. وازداد الأمر تعقيدا بعد العام 1990 الذي شهد توحيد اليمن. وازدادت الأمور سوءاً بالنسبة للزيدية مع انتشار المذهب السلفي في الأوساط اليمنية منذ التسعينيات. بالمحصلة، وفي هذه الظروف، نشأت جماعة "الشباب المؤمن" في العام 1992، والتي عرفت لاحقاً باسم زعيمها حسين بدر الدين الحوثي "جماعة الحوثي". وكانت مطالبها في البداية إخراج السلفيين من مناطقهم وإنصافهم من التهميش.
في المحصلة أيضا، فإن مشكلة الحوثيين لم تكن قبل التدخلات الإقليمية أكثر من مطالب ديمقراطية وتنموية أساسية. وهذا ما يعيدنا للتساؤل حول حجم الجماعات الدينية والعرقية في العالم العربي التي ترضخ لقوانين هيمنة الأغلبية، وكيف تؤول النتيجة اليوم إلى ما هي عليه الحال بمصير صنعاء.
الدرس الثالث، يبدو في كيف حولت الصراعات المذهبية الخفية والظاهرة منذ الثمانينيات، المنطقة العربية إلى ساحات مخترقة. فلا من يغذي هذه النزاعات قادر على صيانة الأمن القومي العربي، ولا هو يتوقف في الوقت نفسه عن تغذية هذه التيارات. في تصريح قبل شهر لأحد أعضاء البرلمان الإيراني، وكان يعدد إنجازات الثورة الإيرانية، قال: إن الثورة الإيرانية باتت تسيطر على ثلاث عواصم عربية؛ بيروت ودمشق وبغداد، وعليه أن يضيف الرابعة اليوم.
0 comments:
إرسال تعليق