هناك إدراك عميق لدى نخب عالمية متعددة المشارب بحثت منطقتنا وأجابت عن أسئلة شعوبها في ضوء الخبرات التاريخية لشعوب أخرى، بأن الطريق الأقل كلفة، والتي تتطلب زمنا أقل، تتمثل في ثورة حقيقية في التعليم. وهو ما أشارت إليه تقارير التنمية العربية التي رعتها الأمم المتحدة منذ مطع القرن الحالي. وهناك قناعة بهذه الطريق. ولا يحتاج الأمر إلى إعادة اختراع العجلة في الوقت الذي شهدت السنوات العشر الماضية تراجعا واضحا في الإنفاق على التعليم في الأردن؛ إذ بقي في حدود 10-11 % من الإنفاق الحكومي، ونحو 4 % فقط من الناتج الإجمالي الوطني. في المقابل، ذكر البنك الدولي مؤخرا، أن الإنفاق العام على التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ 18.6 % من إجمالي الإنفاق الحكومي، بالمقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 14.2 %. بمعنى أن ثمة إدراكا متزايدا لدى دول المنطقة بأن "التعليم هو الحل".
ازدياد هذا الإدراك واضح لدى عدد من الدول العربية، وتحديدا دول الخليج. ولا يتوقف الأمر عليها؛ فقد شهدت ميزانيات التعليم في المملكة المغربية قفزات هائلة خلال السنوات الأخيرة.
في السعودية، تجاوزت مخصصات التعليم في موازنتي 2014 و2015 أكثر من 25 % من موازنة الدولة. ومؤخرا، خصصت الحكومة السعودية نحو 63 مليار دولار للتعليم، مع التركيز على تطوير الجامعات؛ إذ يوجد اليوم أكثر من 130 ألف مبتعث سعودي على نفقة الحكومة، ينهون دراستهم في أرقى الجامعات العالمية في 26 دولة. في حين تجاوز الإنفاق القَطري على التعليم، في آخر ثلاث سنوات، كل التوقعات؛ إذ تجاوز هذا الانفاق في العام الحالي 6.2 مليار دولار. وفي المملكة المغربية، تجاوز الإنفاق على التعليم نسبة 25 % من موازنة الدولة للعام 2015، مع مضاعفة حوافز الأساتذة الجامعيين المغاربة في مواجهة استقطاب الخليج وكندا لهم.
صحيح أن إصلاح التعليم لا يكمن بأكمله في الإنفاق؛ إذ يمكن أن تنفق بعض دول أموالا طائلة في تعليم فاشل، يقدم مخرجات رديئة، لكن الإنفاق في إصلاح التعليم هو استثمار اقتصادي بالدرجة الأولى. وفي حالة الأردن، لاحظنا خلال الأسابيع الماضية أن الخطاب الحكومي يركز، في تسويق الرؤية الاقتصادية للعقد المقبل، على محاصرة الفقر والبطالة وزيادة الاستثمار، وبالتالي النمو الاقتصادي، وجميعها نتائج تنعكس في الاقتصاد الكلي وليست مدخلات.
إن التحدي الحقيقي هو في قدرة الدولة على مضاعفة الإنفاق على التعليم خلال السنوات الثلاث المقبلة؛ أي أن تتجاوز حصة التعليم 20 % من الإنفاق العام. وهذا يجب أن يكون أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للرؤية الاقتصادية؛ فالتعليم هو الحل، ليس فقط للأزمة الاقتصادية، بل للأزمتين السياسية والثقافية أيضا.
0 comments:
إرسال تعليق