يتناول كتاب "موت الموتى" الصادر بدعم من امانة عمان الكبرى، مديرية الثقافة، عن دار جليس الزمان للنشر والتوزيع في عمان، لمؤلفه الدكتور باسم الطويسي موضوعا واحدا، هو موت الحاضر في الخطاب العربي المعاصر. في الجزء الأول "البحث عن تاريخية الحاضر"، يهدف المؤلف إلى تتبع المتغيرات التي تحكم عناصر حركة الحاضر العربي، سعيا للوصول إلى المفاهيم التي قدمها الخطاب لتاريخيته، عن طريق تناول الزمان التاريخي وموقعه في المعرفة العربية الإسلامية والمحاولات الحديثة لتلمس أطراف المفهوم واكتشافه.ولتحقيق تلك الغايات تناول هذا الجزء قيمة الزمان التاريخي في التجربة الحضارية العربية الإسلامية، وقيمة الحاضر وعلاقته بالأزمان الأخرى، وعلاقة التراجعية الحضارية بدوام الظاهرات، والردود والقراءات التي قدَّمَها الخطاب العربي حول تاريخية الحاضر.الجزء الثاني "خطاب الأزمات"، وتناول تتبع "النمو الأزمي" في الواقع العربي منذ بدء تدشين مشروع الاستقلال وذلك من خلال تتبع تطور الوعي والخطاب العربي المعاصر، حيث سعى الجزء إلى تقسيم تلك المرحلة إلى خمس لحظات تاريخية.واعتبَرَ ان اللحظة الأولى تبدأ بانفراج التعقيد الأزمي لحقبة الاستعمار، والثانية تبدو في بداية الانفراج الأزمي بعد رحيل الاستعمار، والثالثة في الستينيات وجوهرها فقه الهزيمة، فيما اللحظة الرابعة تبدأ مع بداية السبعينيات لتطرح بديلا تاريخيا لخيبة المشروع السابق، واللحظة الخامسة تأخد المجال الزمني الأوسع وهو الربع الاخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.في الجزء الثالث "موت الحاضر" يتناول الطويسي مفهوم موت الحاضر، وتراجع وعي الحاضر في الحياة العربية المعاصرة، من خلال المقاربة بين ثلاثة مفاهيم هي: الموت الحضاري، والاسترخاء الحضاري، والتجدد الحضاري.فيما يتطرَّق المبحث الثاني في هذا الجزء إلى "مسائل الهوية والشرعية والدولة"، كمسائل أكثر التصاقا بالأزمة التاريخية في الحياة العربية، حيثُ تتبع الطويسي الخطوط العامة لتلك المسائل، التي تلقي في وحدة موضوعية واحدة في مستويات خطابات السلطة والمثقفين ووعي الجماهير.وفي "مسألة التغيير وحركة مصادر التهديد"، هدف المؤلف إلى تناول مسألة التغيير في العالم العربي، وأثر المتغيرات الكبرى بين 1985-2005 دوليا وإقليميا وعربيا في السلوك، والإدراك في خطاب السلطة وفي خطابات المثقفين وفي مستوى العمل النخبوي الجماعي.ويشير الطويسي الى ان هذا الكتاب "سعى الى تجاوز حدود تلك الافكار نحو قراءة مغايرة تدخل في نسيج مثلث الفكرة والواقع والتاريخ، بعيدا عن النمذجة والاحكام المسبقة والتبديه، ونحو خطاب جديد لاستنطاق الحاضر العربي الذي يستحق الحياة بقدر ما يستحق من الموت".ويذهب الكاتب الى انه قد تأسست المقتربات المعرفية التي تعالج تحليل الخطاب على ما اسفر عنه علم النص من تمييز واضح بين محورين يعتبر الفصل بينهما من ابرز انجازات الفكر العلمي الحديث في العلوم الانسانية.ويقصد بهما المحور التاريخي الذي يعنى بتطور الظاهرة وصيرورة اوضاعها في فترات زمنية متعاقبة "النشأة والتحول وعوامل النمو والتراجع"،والمحور الآني الوصفي الذي يهتم بالواقع الراهن للظاهرة ويركز في تحليله للظواهر على جملة علاقاتها وابنيتها المتراكمة وانتظامها في نسق ديناميكي ثم دمجها معا.ويبين ان النص هو المحتوى الاول للقول بينما الخطاب هو في الأقرب تأويل النص وتفسيره، حيث يتجه الخطاب الى اكتساب طبيعية شاملة تتجاوز الصبغة الجزئية، كما يتجه الى التحليل التقني الذي يتطلب منهجا علميا، من دون الاعتماد على مصادر مسبقة ومعايير دائمة تتصل بالبنية الايديولوجية المغلقة، انما يقدم مجرد فروض قابلة للاختبار وخاضعة للتقدير.ويعتبر الطويسي الخطاب المعاصر لا يقع في مجال فلسفة العلوم، وانما يدور في فلك علوم الاتصال التي تخضع لمنطق استدلالي علمي، وتتبع الاجراءات المنهجية والتجريبية، ويأتي بنتائج تشكل إضافة لمحصلة فلسفة العلوم الحديثة.ويلفت الى انه بسبب ذلك يلاحظ الباحثون في الغرب ان الكم الاكبر من الدراسات والبحوث الهامة في حقل الخطاب قد اجريت خارج نطاق علم اللغة خاصة في علوم الاتصال والانثروبولوجيا والاجتماع بالاضافة الى البلاغة الجديدة، حيث ركزت علوم الاتصال على تحليل المضمون الاتصالي للكلام المحكي والنصوص المكتوبة ومن بينها مضامين وسائل الاعلام وفي مقدمتها الصحافة.ويقول إن تحليل الخطاب الفكري المعاصر يرتبط; بالأطر والاقتراحات العلمية التي جاء بها علم النص المعاصر، والذي أسهمت في تطوره البحوث البنيوية والسيمولوجية الحديثة من دون الاكتفاء بالتحديدات اللغوية المباشرة.
0 comments:
إرسال تعليق