"الصيرورة: تحولات السياسة المحلية والاستقرار والنخب في جنوب الأردن". يقدم الكتاب مجموعة من البحوث العلمية التي ينظمها خيط واحد، وهو السياسة المحلية وتحولاتها في إطار تطور النخب والسياسة المحلية في مسار بناء الدولة الحديثة في الأردن. ويشكل إضافة في حقل دراسات السياسة المحلية التي ما تزال محدودة في الدراسات العربية.وأوضح الباحث أن الجنوب الأردني يحتل مكانة مهمة في بناء الدولة الأردنية، تتعدى حدود المفهوم التقليدي للجغرافيا التاريخية والسياسية، حيث أخذت هذه المكانة أهمية متعددة الوجوه مع ازدياد حضور المجتمع السياسي المحلي في جنوب الأردن في مسار التحول الديمقراطي، منذ أحداث الجنوب العام 1989 التي قادت إلى بداية التحول الديمقراطي الوطني، كما يبدو الحضور السياسي لهذه المجتمعات أكثر فعالية نتيجة ازدياد الوعي السياسي المحلي وتصاعد إدراك المجتمعات المحلية لحجم الفجوة التنموية التي تفصلها عن المعدلات الوطنية في معظم مؤشرات نوعية الحياة رغم ما توفره الجغرافيا الاقتصادية المحلية في محافظات الجنوب الأردني من وفرة في الموارد حيث تعد مستودعا للثروات الوطنية.وتأتي الدراسات التي يضمها الكتاب انطلاقا من منظور أن الديمقراطية المحلية على مستوى الأقاليم والمدن والبلدات أداة من أدوات التنمية المستدامة التي تكفل المشاركة الايجابية والتوزيع العادل للثروة والسلطة داخل المجتمعات المحلية وأداة مهمة لتطوير المساءلة المحلية، وإذا كانت الاهتمامات العامة في الدول التي تشهد تجارب وليدة في التنمية السياسية تذهب نحو التركيز على الأداء السياسي العام للمؤسسات الوطنية، فإن إهمال المشاركة الديمقراطية على المستوى المحلي للأقاليم والمدن والبلدات لم يعد مقبولا؛ وهو ما يفسر جانبا كبيرا من فشل التنمية السياسية على المستوى الوطني العام.وحسب المؤلف فإن الديمقراطية المحلية أولا؛ لأنها تعلم الناس محليا الرشد والإدارة الحكيمة وحماية مواردهم، وتعلمهم كيف يُجتث الفساد من منابعه الأولى، والديمقراطية المحلية أولا؛ لأنها تعلم الناس أن لا يساقوا بالسلاسل إلى صناديق الاقتراع، بل لأنها تربطهم مباشرة بمصالحهم في معاشهم وحياتهم اليومية، والديمقراطية المحلية اولا؛ لأنها صمام الأمان لضمان حقوق الإنسان وكرامته في الممارسات اليومية.يشتمل الكتاب خمس دراسات علمية ترصد التحولات السياسية المحلية، وعلاقات القوة القديمة والجديدة، وما تبقى من محركاتها التقليدية وكيف تجدد نفسها أو تتراجع؛ كما هو الحال في العلاقة بين العشيرة وممارسة السياسة المحلية والسياسة الوطنية، وعلاقة الدولة بالسياسة المحلية وإعادة إنتاج النخب، وعلاقات القوة في الممارسات الديمقراطية المعاصرة وتحديدا الممارسات الانتخابية.الدراسة الأولى تتناول "السياسة المحلية في الكرك: الخبرات التاريخية والممارسات المعاصرة"، تهدف هذه الدراسة التعرف إلى تحولات السياسة المحلية في الكرك انطلاقا مما تمثله الكرك من دور مركزي في بناء الدولة الأردنية حيث ترصد الدراسة الخبرة التاريخية للمجتمعات المحلية وما شهدته من تحولات، الدراسة الثانية بعنوان "التنمية السياسية في مجتمع بدو الجنوب" وتأتي أهميتها في رصد التحولات التي شهدها دور العشائر في السياسة المحلية وعلاقتها في الدولة، وكيف عمل الوعي السياسي الجديد الذي جاءت به العقود الأخيرة على تغيير منظومة من المفاهيم والممارسات السياسية.أما الدراسة الثالثة "التنمية السياسية في مدينة معان: دراسة في تطور النخب المحلية"، فتتبع تطور حالة الاستقرار المحلي وعلاقة المجتمع مع الدولة، عبر فحص خلفيات الأحداث وحالة عدم الاستقرار الذي شهدته المدينة على مدى عقدين ومحاولة تفسيرها من خلال تطور النخب المحلية والممارسة الانتخابية والعلاقة مع الدولة.فيما تتناول الدراسة الرابعة "القرية والعالم: دراسة انثروبولوجية في السياسة المحلية في إقليم البتراء"، وتمثل حالة دراسية لرصد التحولات في السياسة المحلية لبلدة أردنية بفعل الاتصال الثقافي المكثف الذي جاء بالعالم إلى القرية وحولها إلى بلدة عالمية، وهو ما حدث للمجتمعات المحلية في البتراء بفعل التنمية السياحية، وكيف أثر ذلك التحول في ممارسة الأفراد والجماعات للسياسة المحلية في الممارسة الانتخابية وفي العلاقة بالمؤسسات وفي بناء المجال العام.الدراسة الأخيرة "الديمقراطية المحلية والمشاركة التنموية: دراسة حالة بلدية معان"، أوضحت أنَّ البلدية تعد أول وحدة سياسية أهلية، ولطالما أهملت في رصد الأداء الديمقراطي والمشاركة، حيث تقدم الدراسة حالة بلدية معان ودورها في صيرورة الوعي والممارسات الجديدة للسياسة المحلية. وركزت الدراسة على الديمقراطية التفاعلية وهي الوجه الظاهر للديمقراطية والمشاركة المحلية، في حالة مدينة معان وجدت الدراسة أن الثقافة الشعبية والتقاليد المحلية قدمت قيمة مضافة لتطوير النقاشات وتكوين الرأي العام وتصعيد المطالب الشعبية وتكوين مجال عام متنبه في المدينة.خلاصة الكتاب تصل إلى أن الصيرورة تعني القدرة على التغيير عبر الزمن الذي يحمل التاريخ والتقدم، حيث جسدت مجتمعات جنوب الأردن حالة جديدة في مستوى تطور الوعي الاجتماعي والسياسي، الذي أصبح بمثابة المؤشر للحالة السياسية الوطنية في كثير من المحطات واللحظات التاريخية.
0 comments:
إرسال تعليق