في الأردن، لا توجد لدينا معلومات كافية عن دور الجنس في العنف الاجتماعي والجريمة. وخلال الأشهر والأسابيع الأخيرة برز بقوة دور الجنس في سلسلة من الجرائم البشعة، حتى يكاد يكون العامل الرئيس، وأحيانا الوحيد الذي حرك عشرات الجرائم؛ ما يقود إلى تصور وكأن المجتمع يكاد ينفجر من هذه الزاوية.
سلسلة الجرائم البشعة ذات الأبعاد الجنسية تأتي في سياق ظاهرة الزيادة الواضحة في حجم الجريمة والعنف الاجتماعي التي شهدتها السنوات الأخيرة. وثمة وجهة نظر ترى أن وسائل الإعلام تمارس حالة من الإغراق الإعلامي في تناولها لهذه الجرائم، وتستثمر جاذبيتها للمتلقي، وبالتالي تضعها على سلم أولويات الرأي العام. وعلى قدر ما قد يكون هذا التفسير صحيحا، إلا أن ظاهرة نمو الجرائم على خلفيات جنسية تدق ناقوس خطر اجتماعي وقانوني جديد، بحيث تحتاج إلى قراءة من أكثر من زاوية.
أمامنا تقارير الأمن العام خلال السنوات الخمس الماضية التي ترصد الجنايات والجنح. وعادة ما تُقرأ أرقام العام الحالي بالمقارنة مع مؤشرات العام الذي سبقه؛ لكن ذلك لا يوفر رؤية واضحة لحجم التحولات الاجتماعية من زاوية الجريمة وأعمال العنف.
إذا ما أخذنا 2008 سنة الأساس للمقارنة بمؤشرات العام 2012، أي بعد خمسة أعوام (وهي فترة ملائمة لتتبع التغير أو الاستمرارية)، فسنجد أرقاما ومؤشرات صادمة، من أهمها: زيادة في الجنايات والجنح الموثقة خلال هذه الفترة، وصلت إلى 38 %؛ أو من 23761 جناية وجنحة في العام 2008، إلى 32929 جناية وجنحة في العام 2012، وهي نسبة زيادة كبيرة.
وحسب الفئات العريضة، شهدت الجنايات والجنح التي تشكل خطراً على السلامة العامة زيادة بنسبة 113 %، ثم الجنايات والجنح التي تقع على الإنسان بنسبة زيادة
45 %. وعلى المستوى التفصيلي لأنواع الجنايات والجنح، شهدت حوادث الانتحار زيادة بنسبة 152 %، وحوادث البغاء 150 %، وجرائم حيازة المخدرات 102 %، بينما بقيت جرائم الاتجار بالمخدرات تراوح مكانها؛ ما يستدعي أسئلة من نوع آخر. ما حجم القصور في التشريعات الأردنية فيما يتعلق بالجرائم ذات الخلفيات الجنسية تحديدا؟ وهل يوجد لدينا تقييم جاد لدور الآليات الاجتماعية التقليدية في فض النزاعات الاجتماعية ذات الأبعاد الجنسية؟ إن هذه التحولات تحتاج إلى مراجعة من نوع آخر؛ مراجعة أكثر جرأة وأكثر مسؤولية، تطرح أسئلة واضحة، لاسيما: إلى أين يذهب المجتمع الأردني؟
التناقض يبدو في أن المجتمع يزداد محافظة بقوة، فيما يزداد بشكل متواتر العنف والجريمة؛ ما يعني أن هذه التحولات لا تسير على مسطرة واحدة. وعلينا هنا ملاحظة مجموعة من الاستنتاجات الأولية، أهمها: أولا، معظم تلك الجرائم ترتبط بالشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، ما يشير بجدية إلى حجم حالة التشوه التي تشهدها هذه الشريحة، في الوقت الذي نمت فيه هذه الشريحة وأصبحت قاعدة الهرم السكاني. ثانيا، إن ازدياد حالة الارتداد الاجتماعي مع نمو الجريمة يذهب إلى تصاعد وتيرة الصراع داخل الثقافة المجتمعية، وارتدادها نحو الأصول الأبوية والمرجعيات الأولية، ما يجعل احتمالات الانفجار واردة من كل الاتجاهات. ثالثا، لا يمكن قراءة هذه التحولات بعيدا عن حجم تأثير المتغيرات الإقليمية وحالة الفوضى وحركة اللجوء والزيادة القسرية في عدد السكان.
0 comments:
إرسال تعليق