ليس هذا هو الهجوم الأول الذي يشنه التنظيم على الأنبار، والرمادي تحديدا؛ فقد سبقته عدة محاولات. وما تزال مدن وبلدات المحافظة محاصرة منذ أشهر، ويبدو أن "داعش" لم يضعها في الأسابيع الماضية على جدول أولوياته في التوسع، في الوقت الذي كانت عملياته العسكرية تتركز باتجاه الشمال. ويأتي هذا التطور في الوقت الذي تنتشر فيه معلومات متناقضة عن اتجاهات المعركة الدائرة ونتائجها. ففيما تشير معلومات السلطات العراقية وقوات التحالف الدولي إلى أن الضربات التي تلقاها التنظيم بدأت تأتي بنتائج، وأن "داعش" يتراجع ويخسر مواقع مهمة؛ مثل مصفاة بيجي وغيرها من البلدات، تأتي أنباء تتحدث عن تقدم يحققه التنظيم في مناطق أخرى. وفي السياق ذاته أيضاً، تأتي تصريحات لمسؤول كردي رفيع المستوى، الأسبوع الماضي، لتفاجئ الجميع؛ حينما تحدث عن أن التقديرات الغربية والعربية لعدد مقاتلي التنظيم، والتي تشير إلى 30-40 ألف مقاتل، هي تقديرات غير صحيحة، وأن عدد مقاتلي "داعش" يصل إلى نحو 250 ألف مقاتل، يخوضون عدة معارك على أكثر من خمس جبهات، ويسيطرون على مساحة 250 ألف كيلومتر مربع؛ أي أكثر من ضعفي ونصف ضعف مساحة الأردن.
المسألة بالنسبة للأردن تنتقل من خطر محتمل، إلى خطر قريب. إذ باتت البلاد محاصرة من قبل التطرف من كل الجهات؛ "جبهة النصرة" وحلفاؤها من الشمال، و"داعش" من الشرق، فيما يزداد التطرف الإسرئيلي في الغرب مع كون كل الاحتمالات مفتوحة، ما يجعل أي تصعيد في القدس والضفة الغربية يشكل تهديدا على الأمن الوطني الأردني في هذه الظروف. ومحاولة نسف التهدئة التي أنجزها الأردن حول الأماكن المقدسة، لا تخدم المصالح الفلسطينية ولا المصالح الأردنية في هذه الأوقات الحرجة.
على الرغم من احتمالات تداعيات متعددة لاشتباك جديد يربط الجبهة السورية بالجبهة العراقية، ويجر الداخل اللبناني إليه، ويجعل الحدود الأردنية والسعودية عرضة لعمليات عسكرية أو عمليات تسلل، إلا أن ثمة ضوابط بدأت تتحرك خلال الساعات الأخيرة لكبح جماح تقدم "داعش"، لكنها لن توقفه مباشرة. وهو ما يدفع الأردن إلى التفكير الجدي بموجة لجوء جديدة، قد لا تقل خطورة عن التهديدات التقليدية.
الحياد الأردني الإيجابي هو نتيجة الاستثمار في قوة الأردن السياسية، والابتعاد عن سياسة الاستعداء؛ وهو سر قوة دولة صغيرة استطاعت أن تعيش وتصمد وتزدهر في بيئة هي أقرب إلى محرقة سياسية من الصراعات والحرائق. الحياد الأردني الإيجابي في حروب العراق شكل واحدة من أكثر لحظات اختبار قوة هذه المقاربة. لكن هل من جدوى لهذه المقاربة إذا ما وصلت قوات "داعش" إلى الحدود؟
0 comments:
إرسال تعليق