وعدالة التنمية في موضوع فقر الأطفال لا تُفسَّر في حدود قدرة الأطفال والأفراد والأسر على الوصول إلى الخدمات، أو حصتهم من رعاية الدولة ومؤسساتها؛ بل هناك حصتهم الحقيقية والعادلة من موارد المجتمع التي لا توزع بشكل عادل.
عدالة التنمية تفسر فقر الأطفال وحرمانهم من النمو البدني والنفسي السليمين، والرعاية الصحية والتعليم الملائم، وتدني مصادر الخطر. وعدالة التنمية أيضا هي التي تفسر فقر الأطفال الذين يقطعون 8 كيلومترات على الأقدام يومياً حتى يصلوا إلى مدرسة أذرح العسكرية ذهابا وإيابا. كما أن عدالة التنمية هي مقياس فقر الأطفال الذين يصابون بحالات التسمم الجماعي بين وقت وآخر، من منشية بني حسن إلى الأغوار الوسطى. وهي نفس المقياس للظروف البيئية القاسية التي يعانيها أطفال الأغوار أو القويرة، وسط أوبئة الذباب والفئران والجرذان. كما أنها التي تفسر قرابين الأطفال الذين تزهق أرواحهم بالجملة في قناة الغور الشرقية منذ سنوات، من دون أن تشمر مؤسساتنا عن سواعدها لبحث هذه الظاهرة. والمعنى الحقيقي للفقر يكمن في حرمان آلاف الأطفال في صحراء باير وفي أطراف عمان من المطاعيم والرعاية الصحية الأساسية.
يُربط فقر الأطفال عادة بمدى انتشار عمالة الأطفال. وتعد المدن الصناعية العملاقة هي الحاضنة لهذا نمط من التهديد؛ وهذا حقيقة. في حين يغيب عن معظم الدراسات الأردنية تناول نمط آخر من عمالة الأطفال المقنعة في الأرياف الأردنية، ومصدرها تواضع مؤشرات عدالة التنمية. وعمالة الأطفال المقنعة في الأرياف تنسحب على أشكال العمل الأسري كافة؛ في الزراعة والري ورعي الأغنام ومتابعة عمل الأسرة في العطل المدرسية وبعد ساعات الدوام المدرسي أو على حسابه، بينما تعمل الثقافة الشعبية والتقاليد المحلية وأنماط التكافل على امتصاص الكثير من مصادر التهديد التي يشكلها هذا النوع من عمالة الأطفال، وفي الوقت نفسه لا تشكل هذه الأنماط من الحماية مساحة آمنة من الحرمان الذي ينعكس في نهاية المطاف على مستقبل هؤلاء الأطفال.
لا بد من الاعتراف أن فقر الأطفال في الأردن يجب تناوله في ضوء اختلالات التنمية وسوق العمل، وظاهرة الفقر بشكل عام. وهو لا يحتاج إلى التهويل والمبالغة، إذ لا توجد لدينا متاجرة بالأطفال، ولا فقر يقود الى شبكات دعارة منظمة بينهم، ونسب عمالة الأطفال التي تم مسحها في المدن ما تزال في الحد المعقول.
حسب منظمة العمل الدولية، يوجد 245 مليون طفل عامل في العالم، محرومين من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الأساسية. وفي الوقت الذي تتراجع فيه نسب عمالة الأطفال في أقاليم متعددة من العالم، ما تزال هذه النسب تتزايد في المنطقة العربية، حيث تبلغ 6 % مقارنة مع 1 % في الدول الصناعية.
فقر الأطفال في العالم مصدره الأساسي اختلالات المجتمع، وخراب الأسر. وتعمل الدول على مضاعفة جهودها في الرعاية لسد هذه الفجوة. وفي الأردن، تعد اختلالات عدالة التنمية بمعناها الحقيقي هي المصدر الأول لهذه الظاهرة. ولدينا يعمل المجتمع والتقاليد والثقافة الشعبية على توفير شبكة أمان ضد هذا النمط من الفقر، ولكن إلى حد لا يعوض عن دور الدولة في تجسيد عدالة التنمية. وهنا تكمن الغاية الكبرى، وغيابها مصدر كل أنواع الفقر؛ من فقر الجيوب إلى فقر الأطفال، وصولا إلى فقر الدراسات!
0 comments:
إرسال تعليق