الأردن الرسمي ما يزال يتعامل مع هذا الملف بحساسية عالية وغموض، وهو الأمر الذي تجاوزته دول الخليج نفسها عند الحديث عن هذا الملف. فكما هو معروف، ثمة علاقات تعاون أمنية وعسكرية أردنية مع دول الخليج كافة، منذ نشأة هذه الدول. وهناك أدوار أمنية مرتبطة بالأمن والاستقرار في بعض هذه الدول والمنطقة، تعود إلى سبعينيات القرن الماضي. وهذا الملف فيه الكثير من المصالح والعواطف معا، لا يمكن تجاوز أحدهما على حساب الآخر. ولا يوجد ما يدفع الأردن ولا دول الخليج إلى إخفاء المعلومات، إلا حينما تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الوطنية.
لقد حان الوقت للمزيد من الشفافية الرسمية حول هذا الموضوع؛ بفتح الأفق نحو نقاش وطني مسؤول، يبتعد عن النقاش الاحتفالي الذي دار حول فكرة انضمام الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي قبل عامين، ويبتعد أيضا عن العدمية السياسية التي يعالج بها بعض النخب فكرة امتداد الدور الأمني الأردني إلى المحيط العربي والإقليمي.
تأتي هذه التطورات مع عودة التوازن للعلاقات الأردنية مع دول الخليج كافة، وآخرها التطورات الإيجابية التي طرأت على العلاقات مع قطر، إلى جانب ازدياد التصريحات الرسمية الخليجية حول احتمالات انضمام الأردن لمجلس التعاون، والتي وصل التفاؤل ببعضها حد القول إن المسألة أصبحت مجرد مسألة وقت.
في المقابل، ثمة تفاصيل ومبررات موضوعية حالت دون الإفراط في التفاؤل حينما طرحت الفكرة قبل عامين. وماتزال هذه الظروف قائمة، في الوقت الذي لا يمكن أن ننكر حدوث تطورات لصالح هذا التحول. وهو الأمر الذي يدفع نحو التأكيد على أن ازدهار التعاون الدفاعي المشترك مع الخليج يحتاج إلى إطار مؤسسي واضح، في سياق فكرة الانضمام إلى المجلس، أو إنشاء إطار مؤسسي آخر ربما يعنى بالأمن والتنمية معا.
البحث عن شكل جديد للتعاون من أجل الأمن والتنمية، أصبح مصلحة مشتركة اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع تعاظم مصادر التهديد وازدياد حدة الاستقطاب الدولي والإقليمي المجاور. ويحدث ذلك أيضا في ضوء ازدياد الشعور بالقلق والخوف من القادم في بيئة تتكدس فيها وحولها أكبر ترسانات الأسلحة والجيوش الوافدة، بينما ما يزال نموذج التعاون الإقليمي الذي يمثله مجلس التعاون الخليجي، على تواضع إنجازاته، التجربة الوحيدة الناجحة في التعاون الإقليمي العربي، بعد أن فشلت كل التجارب العربية التي حاولت اللحاق به.
0 comments:
إرسال تعليق