فالقراءة الأولية والعميقة على حد سواء، لا تبشر بـ"جنيف3"، ولا برعاية دولية جادة للبحث عن حلول سياسية. وهذا ربما ما أدركه المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي، الذي من المحتمل أن يقدم استقالته من المهمة المستحيلة.
مع اقتراب دخول الأزمة السورية عامها الرابع بعد أيام، يبدو أن القوى الكبرى قد انتقلت، وبوضوح، من مدخل حل الصراع إلى مدخل إدارة الصراع. وهو ما يثبته العديد من الآراء التي تحدثت، خلال الأيام القليلة الماضية، عن أن الصراع في سورية قد يستمر نحو عشر سنوات أخرى. فالولايات المتحدة تملك القدرة على حسم الصراع، لكنها لا تملك الإرادة والرغبة لفعل ذلك. وهي الحالة ذاتها التي أدارت من خلالها تفاعلاتها السياسية على مدى أكثر من أربعة عقود في الصراع العربي-الإسرائيلي. وحينما توفرت لديها بعض الإرادة للتدخل في حل الصراع، وجدت نفسها لا تملك القدرة؛ كما يبدو الأمر اليوم في العجز عن ترويض إسرائيل لمنطق التسوية.
هل سيتكرر هذا المنطق مع إدارة الصراع على مستقبل سورية؟ معظم المؤشرات الدولية والإقليمية تذهب بهذا الاتجاه. وهناك العديد من الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى معادلة إدارة الصراع. أضف إلى ذلك أن الأحوال السائدة في الحدائق الخلفية والأمامية للروس، تدفعهم إلى المزيد من الإصرار على موطئ قدم ثابت في الشرق الأوسط، وربما بقواعد جديدة للاشتباك مع الغرب والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذه المرة من الأرض السورية؛ الساحة المرشحة لشكل جديد من صراع دولي مرير يستعيد لعبة الجغرافيا السياسية مرة أخرى.
أصوات أكاديمية وسياسية أميركية تقول إن الولايات المتحدة هي المستفيد، بل المنتصر الوحيد في طاحونة الحرب الدائرة في سورية؛ فهي تستنزف إيران وحزب الله، وقد أفقدت هذا الأخير عمقه العربي بعدما دخل على خط الصراع الطائفي. كما يجمع هذا القتال التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة في مواجهة مع نظام مدعوم من إيران وحزب الله، ما يحول الصراع إلى صراع طائفي.
طبول الصراع على الجغرافيا عادت تُسمع من جديد. ويبدو لنظرية "قلب العالم" بريقها الخاص، وأنها قابلة للتمدد من الفضاء الآسيوي الأوروبي إلى الفضاء الشرق أوسطي، على امتداد أنابيب النفط وعلى رائحة الغاز؛ حيث تزيد الاكتشافات الجديدة للغاز المتوسطي الموقف تعقيدا، وتزيد من شراسة التنافس الدولي، والأخطر من ذلك عودة شبح الحروب بالوكالة.
0 comments:
إرسال تعليق