كل أشكال الغضب الشعبي، على أهميته؛ وكل أشكال الرد الدبلوماسي وأكثرها حدة؛ وكل أشكال الاعتذار أو الأسف، لن تعيد رائد زعيتر إلى أطفاله وأسرته هذا المساء، كما هي الحال في أننا، أردنيا وفلسطينيا وثم عربيا، قد أُستهلكنا في حرب الكلمات والعواطف التي لم تحقق إنجازات على الأرض، ولم تحم كرامة أحد. لم نتعلم من دروسنا أن أسوأ أشكال التعبير وأكثرها سلبية، هي المشاعر الحادة التي لا رصيد عمليا يوازيها بالأفعال على أرض الواقع.
للناس ومجتمعاتهم الحق في التعبير كيفما يشاؤون عن غضبهم. وعلى هيئاتهم وممثليهم وتنظيماتهم أن تستخدم هذه القوة المعنوية في ممارسة سياسة فعلية على الأرض، أي تحقيق أهداف عملية. هذه هي الدبلوماسية الشعبية بأبسط أشكالها، والتي قد تكون الذراع الأطول والأقوى لمؤسسات الدبلوماسية الرسمية؛ والأداة الأنجع في تحقيق المصالح، إذا ما أُحسن تحويل هذه القوة المعنوية إلى مصالح ومكتسبات.
ماذا كان يمكن أن يحدث لو استدعت الخارجية السفير الأردني في تل أبيب إلى عمان على وجه السرعة، ولو للتشاور؛ وأوصلت رسالة قوية إلى الطرف الإسرائيلي بأنه مهما كانت نتائج التحقيق المشترك، فإن الحادثة لن تمر من دون إجراءات على الأرض، تعيد ترتيب عمليات الانتقال على الجسر بين الأردن والأراضي الفلسطينية؟ ذلك بهدف حفظ كرامة المئات من الفلسطينيين الذين يتعرضون يوميا لأشكال عديدة من الامتهان والتنكيل والتأخير، أثناء حركة مرورهم عبر نقاط التفتيش والنزول من الحافلات المتعددة على طول بضعة كيلومترات. هذا إلى جانب إعادة النظر في عمليات الإغلاق المستمرة التي عادة ما تتم من طرف واحد. إن الضغط على إسرائيل للقبول بإجراءات جديدة لتسهيل حركة المسافرين عبر الجسر، قد يكون أجدى مائة مرة من أن لا يحدث شيء يذكر، وهو عادة ما يحدث في مثل هذه الحوادث.
للناس الحق في أن يغضبوا، وأن يرفعوا سقف المطالب. لكن الغضب وحده لا يعني قيمة سياسية، إذا لم يتحول إلى أداة للضغط، لتحقيق أهداف أكثر واقعية وقابلية للتحقق. فالكرامة الحقيقية تعني حماية مصالح الأفراد وحرياتهم، في حياتهم اليومية وفي حركتهم وانتقالهم.
المواقف الشعبية، بما فيها مواقف المؤسسات التمثيلية، من برلمانات وبلديات ومؤسسات مجتمع مدني، هي موارد سياسية على درجة كبير من الأهمية، وهي رأسمال سياسي يمكن المناورة به وتبادل المصالح. هناك محطات استطاع الأردن الرسمي فيها الاستفادة من الدبلوماسية الشعبية، وأن يوظفها بشكل جيد في تحقيق مصالح وطنية، وتحديدا في العلاقات والتفاعلات الإقليمية. لكن في المقابل، هناك محطات شكلت فيها الدبلوماسية الشعبية موردا غنيا لم يستفد منه وأُهدر، بل وُجه -كما يحدث اليوم- نحو تفريغ اللحظة السياسية من مضمونها.
السياسة الفعلية هي أن لا تفوّت فرصة مهما كانت، لاستثمار أي مورد لتحقيق أي مصلحة، مهما كانت صغيرة.
0 comments:
إرسال تعليق