في ملف صفقة الغاز الإسرائيلي التي تمس السيادة الوطنية، وتدل إذا ما ذهبت الحكومة إلى هذا الخيار، أننا لا نتعلم من خبراتنا؛ يبدو أن الغموض وغياب الشفافية وتناقض المعلومات، هي سيدة الموقف منذ أن تم التوقيع بالأحرف الأولى على الصفقة. وقد تدثرت الحكومة حينها بغطاء الشركة الأميركية المطورة لحقل الغاز الإسرائيلي، حتى وصلنا إلى الاعتراف الرسمي الخجل بالطرف الثاني في الصفقة. فيما يدور الخطاب الرسمي على أطروحة واحدة، وهي أنه لا خيار أمامنا سوى هذا الخيار، وبنفس اللغة والنبرة اللتين استخدمتا في إقناع الرأي العام الأردني بتحمل كامل كلفة فاتورة الطاقة.
يشكك البعض في أولوية الإصلاح السياسي، بالمقارنة مع مشاكلنا في التنمية والموارد. ولا يوجد مثال أقوى على أولوية الإصلاح السياسي من أجل حماية الموارد، مما يحدث في ملف الطاقة، وصفقة الغاز الإسرائيلي تحديدا. فالمواطنون الذين يدفعون كلفة الطاقة كاملة من جيوبهم، يجب أن يكونوا شركاء في تحديد مصادر الطاقة، وأن يبدوا خوفهم على استدامتها، ويربطوا ذلك بكرامتهم وتاريخهم أيضا.
لا يمكن فصل الإصلاح السياسي عن أي ملف يرتبط بحاجات الناس. فالإصلاح السياسي المنشود، هو الضمان لمعرفة كل ما يدور في كواليس جميع الملفات التي يشوبها التعثر والإخفاق، وترتبط بالعمق المجتمعي، وفي المقدمة منها "الطاقة"؛ وهو الملف الذي يحتاج إلى بناء شفافية وطنية بيضاء، لا تحتمل المداراة والتسويف.
التردد في حسم مصير مصادر الغاز البديلة، بعد الإرباك الذي زاد عمره عن أربعة اعوام جراء الانقطاع المتكرر للغاز المصري، وبعد تراكم فاتورة الكهرباء التي أصبحت المصدر الأساسي لعجز الموازنة، هذا التردد إنما يعني في واحدة من صوره أن العتمة المتوقعة في ليلة ما، تعود إلى افتقادنا الشفافية والوضوح في هذا الملف، وعدم إدراك صناع القرار إلى أين نحن نسير، وثمن استمرار منهج التفاهمات السياسية في الهيمنة على تحديد الأولويات الاقتصادية والتنموية.
الغموض في ملف الطاقة يمتد إلى الحاجة لفهم الأسباب الحقيقية التي تعرقل الوصول إلى التشريعات المطلوبة في مجالات الطاقة المتجددة ونفاذها. كما ينسحب الغموض وغياب الشفافية على ملفات الشركات التي أعلنت منذ أكثر من خمسة أعوام عن مشاريع في الطاقة الشمسية في معان وغيرها، ولم تضئ شمعة واحدة في الصحراء.
ملف الطاقة وفاتورة النفط والحلول الاستراتيجية، تفتقد جميعها للوضوح الاستراتيجي. ثمة ارتجال وشغل إعلامي، أكثر بكثير من العمل الجاد على الأرض؛ ما سيحول هذا الملف إلى جملة من الأوهام، والتي ستتحول إلى مصدر تهديد استراتيجي، خطورته في العمق المجتمعي قبل أي شيء آخر.
الإصلاح السياسي يعني أن نعود إلى الناس في كل قضية خلافية، فما بالك بشأن سلعة يدفع ثمنها الناس، وهم من قالوا كلمتهم بوضوح يعد أفضل وصفة للمصلحة الوطنية.
0 comments:
إرسال تعليق