احتلال بغداد من قبل "داعش" هو السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن تصل إليه الأوضاع في العراق. لكنه سيناريو وارد للأسف. وهو بالفعل ما تحدثت عنه تقارير إعلامية مؤخرا، في سياق ما كشفه تقرير أمني عراقي، استند إلى وثائق عُثر عليها في أحد المباني التي كان يسيطر عليها عناصر من التنظيم. إذ تتحدث هذه الوثائق عن خطة عسكرية أعدها "داعش" للاستيلاء عن مدينة بغداد عبر هجوم مفاجئ ومتعدد المحاور، باستخدام أدوات الحرب كافة التي بات يجيدها التنظيم، إلى جانب تنفيذ عشرات العمليات الانتحارية السريعة والمتتابعة، وإعمال أدوات نشر الذعر والإرهاب.
ربما كانت بغداد على رأس التوقعات أو أهداف "داعش" بعد استيلائه الدرامي والسريع على الموصل، والذي صاحبه انهيار سريع للمؤسسة العسكرية والأمنية العراقية. ونذكر كيف تنامى الشعور بالخطر وسط مؤسسات النظام في بغداد؛ المرتبكة من صدمة الموصل، ففتحت المجال أمام المليشيات الشيعية للاستعراض في شوارع بغداد، متوعدة "داعش" إذا ما اقترب من العاصمة. في تلك اللحظة، كانت استراتيجية التنظيم تتعلق بمكان آخر؛ إذ ذهب "داعش" إلى التوسع نحو الشمال ونحو الحدود السورية الطويلة، لربط حدود الدولة الجديدة التي توسعت على مساحات واسعة من العراق وسورية. هذا لا يعني أن بغداد خارج أهداف التنظيم، بل التوقع الأكثر حضورا هو أن "داعش" ينتظر اللحظة الاستراتيجية الملائمة، لا أكثر. هنا علينا أن نتنبه إلى ملاحظة مهمة، تتمثل فيما يتمتع به قادة "داعش" من عقلانية استراتيجية وسياسية، لا يتم الالتفات إليها وسط أخبار الذبح والتوحش والصراع الدعائي المتبادل؛ أي كيف يتخذ هؤلاء القادة قراراتهم ومتى؟ وكيف يحسبون الكلف؟ وكيف يحددون الأولويات؟ وهذا الأمر يلاحظ في معركتهم الراهنة للاستيلاء على مدينة "عين العرب" السورية.
يتم الربط في هذه الأثناء بين الإنجازات التي حققها "داعش" خلال الأسابيع الماضية، وتوالي انتكاسات الجيش العراقي، وضعف تأثير ضربات التحالف الدولي، وبين التحذيرات التي باتت تطلقها بعض الدول الغربية، وخشيتها على سفاراتها في بغداد، وتقف في المقدمة الولايات المتحدة التي أرسلت طائرات "أباتشي" إلى المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية.
شهدت بغداد وضواحيها خلال السنوات العشر الماضية، عمليات إعادة تشكيل ديمغرافي واسعة؛ حيث جرت عمليات تهجير ممنهجة على أساس طائفي، شملت إعادة رسم خطوط التماس الديمغرافي على هذا الأساس الطائفي. ومئات التفجيرات التي كانت تستهدف عشرات الأحياء المختلطة طائفيا، لم تكن أكثر من جزء من عملية إعادة رسم الخرائط السكانية على أساس طائفي، ما يزيد اليوم من الهشاشة الأمنية للمدينة.
لا يمكن تصور طبيعة المعركة في بغداد -إذا ما وقعت- وأي وحشية وأهوال يمكن أن تشهدها، وأي مصير ستؤول إليه، وماذا بعدها!
0 comments:
إرسال تعليق