سيقال الكثير عن الانتخابات الرئاسية المصرية التي انتهت أول من أمس، كما يمكن رصد قوائم لا تنتهي تتحدث عن تحديات التحول الديمقراطي والإصلاح، لكنها المرة الأولى في تاريخ اكبر بلد عربي، وأكثرها ثقلاً سياسياً واستراتيجياً، التي يتم فيها إجراء انتخابات رئاسية تعددية، وبما يمنح المصريين فرصة للمراجعة وللتقييم كل ست سنوات. نعم، جاءت بعض فصول هذه الانتخابات اشبه بفصول المسرحيات الفكاهية المصرية التي انتشرت في السبعينيات، والتي لم تكن تحمل هدفاً ولا قضية إلا إضحاك الناس. فالمرشحون، حتى الذين نالهم طلاء الإعلام خلال فترة قصيرة، غير مقنعين ولا معروفين، ولا يملك اغلبهم حجة أو برنامجاً سياسياً حقيقياً، وأفكارهم وبرامجهم المعلنة تدور بين نشر الإسلام في العالم اجمع إلى صناعة قنبلة نووية، وصولاً إلى قراءة الكف وتفسير الأحلام. وكانت شروط الترشح في ضوء التعديل الدستوري قد جاءت لتزيد المشهد تعقيداً؛ إذ لم يسمح بالترشح إلا لأعضاء الهيئات القيادية للأحزاب، فيما طلب من المرشح المستقل على تزكية مسبقة من 250 عضواً من مجلسي الشورى والشعب والمجالس المحلية التي يهيمن عليها الحزب الوطني الحاكم. وعلى كل الأحوال، جرت الانتخابات المصرية، وأصبحت المهمة المستحيلة قبل بضع سنوات ممكنة بعد سنوات قليلـة. فمن باب التفاؤل، تعد الديمقراطية على الطريقة المصرية احد التمرينات السياسية المهمة التي يمكن ان يبنى عليها. ففي بلد أدى نمط الإنتاج التاريخي فيه إلى جعل السلطة السياسية المركزية محصنة بستار من القوة منذ اكثر من خمسة آلاف عام، لا يمكن ان يتحقق الإصلاح السياسي بين ليلة وضحاها، وانما يحتاج إلى عملية تاريخية، لن تكون اصعب من مهمة تغيير مجاري مياه النيل التي نجح المصريون في تحقيقها اكثر من مرة. المتفائلون باليوم التالي للانتخابات المصرية يعتقدون ان الشروط المصرية الداخلية قد اقتربت من النضوج، ولن تقبل أيه انتكاسـة أو عودة إلى المربعات التقليدية، كما ان الظروف الدولية الراهنة لن تسمح أن يغلق النظام المصري النافذة أمام العالم، في الوقت الذي تزداد فيه الدولة المصرية اندماجاً في النظام الدولي الراهن. الأهم من ذلك كله، ان الحساسية الجديدة لدى المصريين حيال الحاجة إلى الإصلاح تعد الأكثر وضوحاً في العالم العربي بأكمله، بل إن النخب المصرية، من مثقفين وقادة رأي ونقابيين ومؤسسات مجتمع مدني، كانت الأكثر جرأة وقدرة على رفع الصوت مطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي. أما تيار النبرة المتشائمة، فيدفع نحو التذكير بأحداث كبرى في عهد الرئيسين عبدالناصر والسادات، جرت في أجواء انتخابات أو استفتاءات؛ منها اعتقالات ايلول1981، ومذبحـة القضاة العام 1969، حينما تشدد عدد من القضاة في الإصرار على مطالبهم لضمان نزاهة الانتخابات كشرط للإشراف عليها، وكذلك تأميم الصحافة في ايار 1960 على خلفية ان صحف تجاوزت حدودها، مما جعـل النظام ينتقم منها عقب الانتخابات. وهذا التيـار يرى ان الصيف المصري قد قارب على الانتهاء، وان الأيام التي ستعقب الانتخابات ينتظرها كشوف حسابات طويلة مع الصحافة التي ارتفع سقفها ومارس بعضها الشتم، ومع المتظاهرين الذين أصبحوا ينتظرون رجال الشرطة كي ينظموا صفوفهم؛ بينما المشكلة الحقيقية التي تقلق النخب والشارع المصري اكثر من غيرها هي امتداد يد التوريث إلى السلطة، والتي تعني انغلاق الأفق السياسي من جديد. وبعيداً عن مصر السياسية واقدم بيروقراطية في التاريخ، فإن مصر الحضارية والتاريخية، وفق فهم محمد حسنين هيكل، ولاول مرة منذ قرون طويلة تشهد اليوم ملامح أولية، تدل على ان المجتمع اصبح أقوى من نظام الحكم؛ فالتسييس يمتد إلى مختلف نواحي الحياة، وبات جزءاً من الثقافة الشعبية والمعارك الهادئـة والساخنـة التي لا تنتهي. اليوم التالي في مصر سيكون مفتوحاً على احتمالات واسعة، إلا ان نصيب حكمة مصر التاريخية وافر هذه المرة
0 comments:
إرسال تعليق