المعلومات التي جاءت بها المقابلة لا جديد فيها، ولا قيمة إخبارية فعلية ولا أهمية استراتيجية تذكر لها؛ إذ هي معلومات معروفة لدى الكثير من المتابعين، فما بالك بأطراف الصراع الذي يعتمد إلى درجة كبيرة على قدرات كل طرف في الاختراق المعلوماتي أكثر من أي شيء آخر! فما الجديد؟ ألم نكرر منذ أشهر أن التحالف الدولي يضم 60 دولة؟ هذه معلومات منشورة في وسائل الإعلام، وثمة تقارير استراتيجية وتحليلات معروفة تحدثت عن أماكن إقلاع الطائرات، ومعروفة القواعد العسكرية التي يمكن أن يستخدمها التحالف. وفي كل الحروب المعاصرة، لا يمكن إخفاء أو إنكار أسماء القواعد الجوية المستخدمة في العمليات العسكرية.
في الدعاية السياسية، تعمل عملية الإغراق الإعلامي، وتكرار أطروحة واحدة بأشكال متعددة في أوقات الأزمات، على خلق حالة دهشة مزيفة لدى الرأي العام. في هذا الوقت، يصبح الناس أكثر استهلاكا للمحتوى الإعلامي، وأكثر بحثا والتماسا للمعلومات، وتزداد القابلية للتصديق والتصفيق معا لأي جديد. فعامة الناس ليس مطلوبا منهم أن يكونوا خبراء في المنظومات القتالية، ولا بخصائص أرض المعركة، ولا بالمناورات الجوية وغيرها من أمور؛ لذا فمن السهولة إسباغ أي معلومات أو آراء بصفات الصدقية، أو إضفاء القيمة عليها. وبالنتيجة، هذا ما يريده الإرهابيون؛ بأن تتحول وسائل الإعلام والناشطون في الإعلام الاجتماعي إلى أدوات لتمرير رسائلهم إلى الرأي العام وإلى العالم.
يستخدم "داعش" بكفاءة وسائل الاتصال والإعلام والتكنولوجيا، لتحقيق استراتيجيته، وصولاً إلى إحراز المكاسب بالخوف. وهو لا يتورع عن استخدم مبدأ "دعاية الفعل" الذي برع فيه النازيون في الحرب العالمية الثانية؛ أي الدعاية المؤلمة والموجعة التي تستخدم الأفعال المادية لتحقيق أهداف دعائية أوسع، كما فعل التنظيم بجز رؤوس صحفيين.
قيل الكثير خلال الأسابيع الماضية عن الاستراتيجية الدعائية لتنظيم "داعش"، وتم إضفاء صفات القوة والقدرة والتفوق عليه. وهذا ما كان يريد التنظيم أن نصل إليه، ضمن هدفه الاستراتيجي الذي يعتمد على إذكاء فكرتي الصدمة والقوة. والسؤال المهم هنا هو كيف يتم ذلك؟
من المعروف أن "داعش" لا يملك وسائل إعلام مركزية تقليدية أو جديدة، ويعتمد بالدرجة الأولى على الإعلام الاجتماعي وعلى النشاط الفردي لأنصاره. وبمراجعة الحملات الدعائية الكبيرة التي نظمها تحت عناوين متعددة، مثل "بغداد نحن قادمون" أو "سايكس-بيكو انتهت"، والحملات الراهنة ومنها الحملة حول مصير الطيار الأردني، نجد وللأسف أن سر انتشار هذه الحملات هو المتبرعون من وسائل إعلام وناشطين غير مؤيدين للتنظيم، لكنهم تحولوا إلى أداة لنقل رسائله ونشرها، وإضفاء صفة القوة والهيبة عليه.
0 comments:
إرسال تعليق