هناك الكثير الذي يقال بشأن هذه الجيوش وعقائدها ومن يقودها، وهناك الكثير مما يقال أيضا ولا يعدو أن يكون أكثر من دعاية سياسية، تأتي في سياق استراتيجيات الاستهداف، وهي: أولا، استراتيجية التصفية والاجتثاث، والتي أديرت عن طريق آلية حل الجيوش، ومثالها الشهير ما حدث للجيش العراقي بعد الاحتلال الأميركي، والذي كان يعد أحد أهم جيوش المنطقة والعالم. وبشكل مختلف ما حدث مع الجيش الليبي. ثانيا، استراتيجية إعادة تصنيع الجيوش الهزيلة، والقائمة على فكرة العمليات الخاصة وشبح الحرب ضد الإرهاب؛ كما حدث مع الجيش العراقي الجديد، وبشكل مختلف إلى حد ما مع الجيش اليمني. ثالثا، استراتيجية استنزاف الجيوش؛ كما يحدث اليوم مع الجيش المصري، وبشكل مختلف أيضا مع الجيش السوري.
الجيش المصري آخر الجيوش العقائدية العربية الكبيرة الباقي. فمنذ تموز (يوليو) 2012، شهدت سيناء هجمات متعددة، سقط فيها مئات الجنود من الجيش المصري ورجال الشرطة، منها أربع عمليات دامية خلال العام 2014 فقط. ومعظم هذه العمليات تبناها تنظيم جهادي واحد. وهناك تقديرات تتحدث عن وجود نحو 20 ألف مسلح في سيناء، يمارسون أنشطة عسكرية تجعل مساحات واسعة من صحراء سيناء التي خاضت مصر من أجلها حروبا عديدة، خارج السيادة الوطنية؛ فيما من الواضح حجم الاستهداف الذي يتقصد الجيش المصري.
ما يمر به العالم العربي منذ أكثر من عقد، يعد واحدة من أكبر محاولات التفكيك والتركيب التي شهدتها جيوش عربية على مستويات متعددة، ليس أقلها عمليات تفكيك هذه الجيوش وإضعافها فوق ما هي عليه من ضعف، أو عمليات ممنهجة لتغيير عقائد جيوش أخرى وأدوارها.
ما يحدث خلال هذه المرحلة يشبه عملية استهلاك للجيوش العربية في مواجهات داخلية وخارجية، بعيدا عن عقائدها المفترضة، وأهدافها الاستراتيجية التي وجدت من أجلها؛ وصولا إلى فك ارتباطها بالشعوب، وتشويش هدفها في حماية وحدة التراب الوطني. الأمر الذي يبرز بشكل جلي هذه الأيام في فقدان بعض هذه الجيوش ثقة الشعوب، وتدهور قيمتها الحسية والمعنوية معا، وصورتها في الوعي العام؛ وذلك حينما نقلتها التحولات الجارية من صورة الجيش الحامي للوطن، إلى صورة القوة المتآمرة أو الموظفة للقتل.
جاء عدد من الجيوش العربية من رحم حروب الاستقلال، في الوقت الذي تحولت فيه القوات الشعبية المنظمة التي خاضعت تلك الحروب إلى جيوش نظامية. وقد حولت العصابات الصهيونية عصابة "هاغاناه" إلى ما سمي "جيش الدفاع الإسرائيلي". وفي الوقت الذي انشغلت فيه الجيوش العربية الفتية بشهوة السلطة وبموجة الانقلابات، تحولت "هاغاناه"، في بضع سنوات، إلى أقوى جيش محترف في المنطقة، ويحتل الترتيب الـ13 على مستوى العالم.
حالة استهداف الجيوش العربية تطرح سلسلة من الأسئلة؛ بعضها أصبحت إجاباتها واضحة، وأخرى ما تزال غامضة تماما. ولا ندري ما المقصود من هذا الاستهداف المباشر، وهل المطلوب أن تدخل المنطقة في حالة فراغ أمني أكثر مما تشهده هذه الأيام؟!
0 comments:
إرسال تعليق