يقدر الأردنيون، في الأغلب، الظروف الإقليمية التي تمر بها المنطقة، وموقع الأردن الحساس وسطها. لكن في الوقت نفسه، يدرك الجميع أن الاستثناء الأردني هو نتيجة التسامح والتفاهم الضمني على حدود معقولة من الحريات، وعلى تقاليد متينة نُسجت من خلالها علاقة الدولة بالمواطنين. تلك العلاقة التي قامت على التفاهم، أكثر من الإجراءات الأمنية والقانونية، على الرغم مما نال هذه العلاقة من استرخاء وهزات خلال السنوات الأخيرة.
صحيح أن الأردن دخل رسميا في التحالف الدولي ضد التنظيمات الإرهابية، وهو يساهم عسكريا في هذا الجهد الدولي، إلا أن الدولة تصر على رفض إعلان حالة الحرب رسميا، وهذا ما يجعل الأمور في نصابها الموضوعي. فالمشاركة الأردنية الرمزية لا تستدعي، بأي حال من الأحوال، إعلان حالة طوارئ؛ وهو ما ينسحب على واقع الحريات العامة.
وفي الوقت الذي تستدعي فيه أي محاولات للتحريض أو الدعاية للتنظيمات الإرهابية، تقديرا موضوعيا دقيقا، بحيث قد يحتاج بعضها للملاحقة تحت طائلة المسؤولية التي يفرضها قانون محاربة الإرهاب وغيره من قوانين، ولاسيما في ضوء الظروف الراهنة.
الملاحقات القانونية التي تتم حاليا بموجب قانون المطبوعات والنشر، وتطال صحفا ووسائل إعلام وصحفيين محترفين وكتاب رأي، تعد تضييقا غير مبرر بأي شكل من الأشكال، وفق الحدود المتواضعة من حريات التعبير الموجودة، وتؤكد الهواجس القديمة والجديدة التي يثيرها هذا القانون.
أخلاقيات المهنة الإعلامية لا يمكن أن تتحول إلى أداة قانونية للتضييق على الحريات الإعلامية. فالأخلاقيات المهنية للصحافة تتسم، منذ أن ظهرت في مطلع القرن العشرين ووفق أوائل مدونات السلوك الصحفي ومواثيق الشرف، بأنها جزء من التطور المهني؛ وصفة الإلزام فيها مرتبطة بالتنظيم الذاتي للمجتمع الإعلامي. وكلما ارتقى هذا المجتمع مهنيا، ازدادت قوة التنظيم الذاتي، وازداد التزام هذا المجتمع بمعايير المهنية. إذ من المعروف أنه لا توجد تعريفات علمية أو مهنية محددة، ذات طابع إجرائي، لتلك المعايير، تجعلها ترتقي إلى مستوى القاعدة القانونية.
قانون المطبوعات والنشر الذي عدل ست مرات منذ العام 1998، لا يلائم الأردن. والصحافة ووسائل الإعلام الأردنية تستحق مرجعية قانونية أفضل من ذلك. فلا يعقل أننا نستخدم مواد القانون بشكل انتقائي؛ مرة لعدم مراعاة التوازن، ومرة الموضوعية، ومرة في مصادرة حق الإعلام في النقد المباح للشخصيات أو المؤسسات العامة.
من جهة ثانية، فإن مكافحة الإرهاب والفكر الظلامي والتكفيري، تحتاج رؤية شاملة وعميقة، ومراجعات جذرية، حتما ليس من بينها التضييق على حريات التعبير. وعلينا الانتباه إلى أن الفكر الظلامي، عبر التاريخ، يجد البيئة الخصبة له في العمل السري؛ حيث يزدهر وينتشر. فيما المقتل الحقيقي للفكر الظلامي البيئة التي تزدهر فيها الحريات العامة؛ حينما تتصارع الأفكار، وتحدث عملية الانتخاب الطبيعي للأصلح والأقدر على الحياة.
كبت حرية التعبير تعني، بكل بساطة، انتشار ثقافة التستر؛ التستر على الفساد والتضييق على النزاهة، التستر على الظلم والتضييق على العدالة. وتعني، بالتالي، دفع الناس إلى العمل السري؛ وهو ما تنتظره التنظيمات التكفيرية، وما تجيده وتسعى إليه.
0 comments:
إرسال تعليق