على الجانب الأردني، تضمن اتفاقية السلام مع إسرائيل وضعا خاصا للأردن في إدارة الأماكن الدينية المقدسة؛ الإسلامية والمسيحية، في القدس، أو ما يعرف في الخطاب السياسي الأردني بـ"الوصاية الأردنية" التي عضدت بمصادقة السلطة الوطنية الفلسطينية قبل أكثر من عامين، فيما عرف بوثيقة الوصاية الهاشمية على الأماكن الدينية في القدس.
وقد شهدت الذكرى العشرون لتوقيع معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية تصعيدا إعلاميا متبادلا بين الطرفين. الجانب الأردني ركّز على ما يحدث في القدس، ووصل إلى حد وضع المعاهدة في كفة، وحماية "الأقصى" في كفة أخرى. أما على الجانب الإسرائيلي، فشنت وسائل إعلام هناك هجوما على الأردن، متهمة إياه بعدم الجدية والرغبة في السلام.
في هذا الوقت الذي أصبح فيه موضوع القدس وممارسة العبادات في "الأقصى" موضوعا شبه دائم على جدول أعمال الكنيست الإسرائيلي، تستمر الإجراءات على الأرض بهدف تحقيق التقسيم المكاني، وتغيير معالم حرم المسجد وساحاته؛ إذ سيطرت إسرائيل على معظم تلك الباحات، وهي تخطط لإقامة متاحف وحدائق يهودية فيها. ويواصل أعضاء في الكنيست طرح مشاريع قوانين تطالب بإنهاء الإدارة الأردنية للأماكن الدينية الإسلامية؛ ومشاريع قوانين أخرى لتقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وإلغاء صفة الهوية التاريخية الإسلامية عنه. في المقابل، تكتفي الحكومة الإسرائيلية بأن تردد، بين وقت وآخر، أن هذه المواضيع ليست ذات أولوية بالنسبة لها.
وتحت ذريعة حرية ممارسة العبادات، تمضي "وزارة الأديان" الإسرائيلية بخطوات محسوبة جيدا من أجل تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، بزعم أن منع اليهود من أداء طقوسهم فيه هو "خرق لحرية العبادة"؛ فتسعى إلى "تعديل قانون" السماح لليهود بأداء طقوسهم فى المسجد الأقصى، وقد كلفت لجنة برلمانية بدراسة هذا الموضوع منذ العام الماضي.
في إسرائيل، يقف وراء مساعي تقسيم "الأقصى" وإقامة هيكل سليمان الثالث، حركة "أمناء جبل الهيكل". وهي حركة صهيونية متطرفة تأسست العام 1967، يدعمها نواب في الكنيست، وتجد تأييدا واسعا في المجتمع الإسرائيلي، كما تجد مساندة ودعما من بعض الحركات الإنجيلية في العالم. وقد تعرض زعيم الحركة "يهودا غيلك" الأسبوع الماضي لمحاولة اغتيال اتهم بها فلسطينيون.
هناك إدراك عالمي وعربي وإسرائيلي، منذ سنوات طويلة، بأن أي تغيير في واقع المسجد الأقصى سوف يقود إلى حرب دينية عاصفة، لا أحد يعرف إلى أين ستنتهي، وكما سيؤدي هكذا تغيير إلى موجة تطرف ديني قاسية عابرة للأديان. لكن يبدو أن موجة التطرف الحالي داخل المذاهب الإسلامية، وما جاءت به من تداعيات، وما خلفته من ضعف وتداع، تجعل هذه البيئة الأكثر ملاءمة للتطرف الإسرائيلي للمضي قدما في أطماعه.
كل المؤشرات اليوم تجعل مسألة تقسيم "الأقصى"، وللأسف، مسألة وقت.
0 comments:
إرسال تعليق