التقرير الذي بثته القناة يوم الجمعة الماضي تحت عنوان (الرقة تحت حد السيف) يوضح جانبا من أسرار قوة هذا التنظيم، تلك القوة الغامضة التي بقيت صعبة على الفهم على مدى أكثر من عام ونصف عام، والمتمثلة في القدرة على نشر الذعر والخوف الفردي والجماعي بين الناس التي تنتقل من الإرهاب إلى خوف متوحش يقود الناس إلى الإذعان، فأي قوة عبر التاريخ تلجأ إلى هذه الاستراتيجية تكسب الجولة الأولى حتما؛ لقد نجح هذا المنهج عبر الحقب الطويلة والبعيدة في التاريخ حينما كان الخوف عنصرا أساسيا في حياة البشر قبل أن تألف البشرية قوة التنظيم والقانون والحقوق، فما بالك اليوم حيث غادر البشر التأثير المرعب للخوف المتوحش الذي يجعل مدينة بأكملها تحت حد السيف وهي النتيجة التي وصلت إليها الرقة وغيرها.
المشاهد النادرة تبرز قوة رجال التنظيم وسلوكهم اليومي في تنظيم الحياة اليومية للناس الذن لا يملكون إلا الطاعة والامتثال للأوامر، فيما تفرض النساء الأجنبيات والعربيات تعليمات التنظيم على النساء وبالقوة أيضا، حيث يسيطر رجال داعش على كل مفاصل الحياة؛ على أفران الخبز وعلى حركة السير بينما تخلو الشوارع من البشر في وقت الصلاة فيما يتم تنفيذ ما يسمى الحدود الشرعية ومن خلال الاعدامات أو حد ضرب العنق بالسيف في الشوارع وفي الساحات أمام العامة.
من الواضح حجم استفادة تنظيم "داعش" من استراتيجية الترويع والتخويف التي تتبعها اليوم وباحتراف؛ وهي موجهة في ثلاثة اتجاهات أساسية؛ الأول: موجه نحو العراقيين والسوريين سنة وشيعة ومسيحيين وأزيديين وطوائف أخرى؛ ورغم أن الأهداف المطلوبة من كل طائفة مختلفة، فإن الوسيلة واحدة هي الوصول إلى أعلى درجة من الخوف والقلق، ثم دفع هذه الجماعات إلى الانقياد بأقل جهد ممكن للهدف المطلوب؛ فالمطلوب من السنة على سبيل المثال أن يصلوا الى درجة من الذعر والخوف تقودهم إلى الانخراط في صفوف "داعش"، أو احتضانهم أو الصمت على أفعالهم، والمطلوب من الطوائف الأخرى الاستسلام والهروب أو أن تتحول نساؤهم إلى سبايا. الاتجاه الثاني: موجه إلى المسلمين والعرب، والهدف الوصول إلى درجة من الخوف تقود إلى الإبهار والإعجاب لدى فئات منهم تتحول إلى حاضنات سياسية واجتماعية لهم. أما المستوى الثالث فهو الموجه إلى العالم وإلى الغرب تحديدا ويهدف إلى استخدام استراتيجية الخوف من خلال الاستهداف المنظم لضحايا مدنيين وإلحاق أكبر ضرر موجع ينال المجتمعات التي يصنع الرأي العام فيها السياسة والقرارات المصيرية، كذلك استخدام أسلوب الصدمة الموجعة التي تجعل المجتمعات المستهدفة تتوقع كل شيء، فدولة الخوف عبر التاريخ كانت تكسب الجولة الأولى، لكنها لا تستمر بعد ذلك.
0 comments:
إرسال تعليق