بعد أقل من يومين على الالتزامات التي قطعها نتنياهو للأردنيين، والتي مفادها أنه لا ينوي تغيير الوضع القائم في "الأقصى"، وأن حكومته لا تقصد استفزاز مشاعر الفلسطينيين ومن خلفهم كل المسلمين، قامت نائب وزير النقل الإسرائيلي، تسيبي حوتوبلي، بزيارة الحرم القدسي، ودعت إلى تغيير الوضع الراهن هناك. وقبلها، قام بزيارات مماثلة كل من الوزير أوري أريئيل، ونائب رئيس الكنيست موشيه فيغلين، ورئيس لجنة الداخلية فيه ميري ريغيف، وجميعهم دعوا إلى تغيير الوضع القائم. وتبرر الحكومة هذا السلوك باسم الديمقراطية الإسرائيلية وحرية الأديان.
اليوم، يبدو الشرق الأوسط مغلقا وخاليا من السياسة، بينما يعج بحركات التطرف والحروب الدينية وصفقات الأسلحة، كما بصفقات أخرى يوجد فيها كل شيء إلا السياسة. وقد كان من المبرر أن يقبل الرأي العام العربي تراجع مكانة القضية الفلسطينية في أولويات السياسة الدولية خلال العام الأول للتحولات العربية، وتم التعامل مع استمرار هذا الأمر في الأعوام التالية للربيع العربي. لكن ثمة أسئلة كبيرة مطروحة، تتمثل خصوصاً في: كيف تحول تاريخ الصراع من التحريك إلى الجمود، ومن الجمود إلى الموت؟ ومن ثم، كيف تصبح هذه التحولات أداة في يد التطرف الإسرائيلي؟
إن مراجعة تطور الحياة السياسية في الدولة التي أسسها العلمانيون منذ أكثر من ستة عقود، توضح كيف وُظفت أدوات الديمقراطية في العقود الأولى من أجل الاستيعاب والهضم، وبناء المواطنة لكيان يقوم على فكرة الهجرة. ثم في العقود التالية، تحولت وظيفة الديمقراطية إلى إعادة التكيف، عبر عمليات الهيكلة السياسية والاجتماعية، من أجل تحمل المزيد من ضغوط الاستمرار في حالة الطوارئ التي لا تريد حسم الحرب ولا حسم السلم. وهذا التطور قاد، بالتالي، الدولة والمجتمع نحو المزيد من التطرف، وجاء بدولة دينية في نهاية المطاف.
الانتخابات الإسرائيلية في السنوات الاخيرة لم تأت بأكثر من تحالفات دينية أكثر تطرفا، تتنافس على من يبني مستوطنات أكثر، ومن يقدم ضمانات بحماية مستوطنات الضفة الغربية؛ أي دولة دينية أخرى في إسرائيل، بينما تزداد قوة حضور الدول الدينية في المحيط العربي.
إلى هذا الوقت، لم نجد أي إشارات جدية تفيد بتغير في إدارة الصراع بعد "الربيع العربي"؛ أي إن النخب في الواقع العربي الجديد لم تصل إلى إدراك خطورة الدولة الدينية النامية في إسرائيل، مقابل الدول الدينية الآخذة في الانتشار عربيا وإقليميا.
0 comments:
إرسال تعليق