قامت استراتيجية المغول، وتحديدا هولاكو خان حفيد جنكيز خان "ملك العالم"، على مبدأ واحد سهّل لهم احتلال معظم الشرق في العصور الوسطى. وهذا المبدأ هو التخويف والترويع الجماعيان اللذان كانا يضعان المدن والبلدات أمام خيارين؛ إما الاستسلام والتسليم للنهب والسبي، أو الذبح والقتل والتدمير والحرق. وهو الأمر الذي جعل من المدن والقلاع الحصينة تقبل بالتسليم، بعد أن تناقل الناس هول المصيبة بالموت الجماعي لكل من يقاوم. وقدم المغول أمثلة على القسوة والوحشية لا مثيل لها في التاريخ، شكلت أحد أهم عناصر استراتيجيتهم في إجبار الجيوش والناس على الاستسلام أمامهم، والتي لم يسلم منها حتى الملوك والخليفة، كما حدث على سبيل المثال للملك الأيوبي الكامل، الذي قطع جسده إربا إربا. أما الخليفة الضعيف المستعصم بالله، فقد لف بقطعة سجاد وداسته الخيول في شوارع بغداد.
من الواضح حجم استفادة تنظيم "داعش" من استراتيجية الترويع والتخويف التي يتبعها اليوم وباحتراف؛ وهي موجهة في ثلاثة اتجاهات أساسية: الأول، نحو العراقيين؛ سنة وشيعة ومسيحيين وأزيديين وطوائف أخرى. ورغم أن الأهداف المطلوبة من كل طائفة مختلفة، فإن الوسيلة واحدة، وهي الوصول إلى أعلى درجة من الخوف والقلق، ثم دفع هذه الجماعات إلى الانقياد بأقل جهد ممكن للهدف المطلوب. فالمطلوب من السُنّة، على سبيل المثال، أن يصلوا إلى درجة من الذعر والخوف تقودهم إلى الانخراط في صفوف "داعش"، أو احتضان التنظيم أو الصمت على أفعاله. والمطلوب من الطوائف الأخرى الاستسلام والهروب، أو أن تتحول نساؤها إلى سبايا.
أما الاتجاه الثاني، فهو نحو المسلمين والعرب. والهدف هو الوصول إلى درجة من الخوف تقود إلى الانبهار والإعجاب لدى فئات منهم، تتحول حاضنات سياسية واجتماعية للتنظيم. فيما المستوى الثالث موجه إلى العالم، والغرب تحديدا؛ ويهدف إلى استخدام استراتيجية الخوف من خلال الاستهداف المنظم لضحايا مدنيين، وإلحاق أكبر ضرر موجع ينال المجتمعات التي تصنع الرأي العام في هذه البلدان. وكذلك استخدام أسلوب الصدمة الموجعة التي تجعل المجتمعات المستهدفة تتوقع كل شيء.
يستخدم "داعش" بكفاءة وسائل الاتصال والإعلام والتكنولوجيا لتنفيذ استراتيجيته وتحقيق المكاسب بالخوف. ولا يتورع التنظيم عن استخدم مبدأ "دعاية الفعل" الذي برع فيه النازيون في الحرب العالمية الثانية؛ أي الدعاية المؤلمة والموجعة التي تستخدم الأفعال المادية لتحقيق أهداف دعائية أوسع، كما يفعل جز رؤوس الصحفيين.
ومن باب المصادفة، أو هذا هو التاريخ، لا ندري، أن ثمة ظروفا متشابهة تماما بين الأوضاع التي نجحت فيها استراتيجية هولاكو في القرن الثالث عشر الميلادي، وبين أحوال العالم الإسلامي المعاصرة؛ من ضعف وفساد واستبداد وتردٍ، وضعف دور علماء الدين والفقهاء، وانتشار الخرافات. لا بل قبيل سقوط بغداد، تمّ تسريح أعداد كبيرة من الجند لعدم حاجة البلاد لهم، وبقية جيوش الخلافة انسحبت أو استسلمت كما تروي كتب التاريخ.
علينا تذكر أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها استخدمت استراتيجية الخوف في احتلال العراق، وتحديدا في احتلال بغداد؛ لقد أطلقت على خطة احتلال بغداد مسمى "الصدمة والترويع". وكثير منا يتذكر القنابل الصوتية التي كانت تلقى على أحياء بغداد، والتي كانت تحدث دويا مرعبا هدفه خلق حالة من الرعب والرهاب النفسي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتورط في "دعاية الفعل" مباشرة، إلا أن هذه الوصفة التاريخية استخدمها الجميع منذ هولاكو مرورا بسلالة بوش وصولا إلى خليفة آخر الزمان، ما يختصر تاريخ العراق والمنطقة، كما وصفته صحيفة "التايمز" البريطانية ذات يوم: "من الصدمة والترويع إلى كومة من الخردة".
0 comments:
إرسال تعليق