آخر هذه التحذيرات جاءت من رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون الذي عبر عن خشية بلاده من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إلى الأردن ولبنان، فيما فسر السفير البريطاني لدى المملكة بيتر ميليت هذا الموقف لحكومة بلاده بالقول إن بلاده وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على استعداد للتنسيق مع الأردن ودعمه، لمواجهة أخطار "داعش". وقبل ثلاثة أسابيع ترددت أنباء عن نية الاتحاد الأوروبي تأسيس "مجموعة دعم"، تتألف من دول أوروبية وأخرى من المنطقة، بما فيها الأردن، لمساعدة العراق على مواجهة الدولة الإسلامية، ما يشير الى إدراك دولي وإقليمي متنام لحجم التهديدات التي بات يفرضها تنظيم الدولة الاسلامية. في المقابل لم تتوقف التسريبات والتحليلات الإقليمية الممتدة من طهران إلى تل ابيب والتي لم تتوقف عن إطلاق التكهنات حول هوية المحطة القادمة التي سوف تصلها "داعش" وآخرها تصريحات أمين عام حزب الله حسن نصرالله.
ثمة إدراك رسمي لحساسية الموقف يزداد يوما بعد يوم، فيما حالة مراقبة الموقف والتعامل معه قد أخذت تنتقل من المستوى السياسي إلى المستوى الاستراتيجي، في المقابل ثمة حذر من الداخل وطمأنينة لدى الرأي العام الأردني حيال القدرات الدفاعية الأردنية في مواجهة اي اعتداء، في الوقت الذي استطاع فيه الأردن أن يحول قواته خلال العقد الماضي إلى قوات صغيرة احترافية وسريعة الحركة، وإن كانت ما تزال بتسليح قليل ولكن بكفاءة قتالية أكثر؛ فقد انتبه الأردن أكثر من غيره لنمط الحروب الجديدة التي تواجهها المنطقة وحسب حسابها جيدا.
في الوقت الذي تذهب فيه معظم التقديرات الاستراتيجية إلى عدم إمكانية تعرض الأردن الى مواجهة عبر الحدود مع قوات تنظيم داعش، يبقى هناك مصدران للتهديد يرتبان على الأردن في بعض التقديرات خطوات استباقية قد تدفعه بعضها إلى عمل استراتيجي وقائي؛ المصدر الاول يرتبط بالبعد الأمني في احتمال تسلل عناصر من هذا التنظيم لإجراء عمليات في الداخل أو استهداف مصالح أردنية في الخارج أو تحريك خلايا نائمة تحاول صناعة حاضنة اجتماعية، وتحديدا في بعض المناطق الطرفية الرخوة تنمويا وأمنيا، المصدر الثاني يتعلق في أن يجد الأردن نفسه ضمن ترتيب دولي وإقليمي وفي لحظة استراتيجية لا يجد أمامه مناصا الا أن يتقدم خطوة استباقية، وهذا التطور وارد إذا ما فشلت العملية السياسية في العراق وازدادت الفوضى هناك.
ان تعزيز قدرات الأردن الدفاعية وتحديث تسليح الأجهزة العسكرية يحتلان المرتبة الأولى في أي ترتيبات دولية أو اقليمية؛ ما يتطلب من الأردن الرسمي تصعيد هذا المطلب بخطاب سياسي مختلف تماما، فحسب دراسة للمركز الوطني لحقوق الانسان رصدت الإنفاق الحكومي بين 2000- 2010 تبين أن "الإنفاق على الأمن يساوي الإنفاق على التعليم والصحة والعمل مجتمعة في موازنات الحكومات الأردنية، وفي 2010 زادت نسبة الإنفاق على الأمن على نظيراتها لتصل إلى (24 %) من حجم الإنفاق العام، مقابل (22 %) للحقول الثلاثة الأخرى"، وهذا الإنفاق دفع ثمنه الأردنيون من نوعية حياتهم ليس لأمنهم وحسب، بل صبّ في المنظومة الامنية الإقليمية بأكملها، وهذا ما يجب أان يدركه المجتمع الدولي ودول الاقليم، وحان الوقت أن تصل الرسالة وأن يتغيير الخطاب واللهجة والمضمون.
0 comments:
إرسال تعليق