رغم مساندة المعلمين على طول خط في تحسين أحوالهم المعيشية، إلا أن توقيت التصعيد وأدواته هما وسائل سياسية صرفة، في ملف مجتمعي صرف؛ إذ اعتادت النقابة خلال السنوات الأخيرة استثمار أداة الإضراب في الضغط على المواضع التي توجع الدولة والمجتمع معا.
بعيدا عن الدفاع عن مواقف الحكومة وسياساتها من هذه النقابة ومن النقابات الأخرى، فإنه كما دافعنا على مدى سنوات عن حق المعلمين في أن يكون لهم تمثيلهم النقابي، ودافعنا عن حق النقابات بشكل عام في أن تكون لها مواقفها السياسية والاجتماعية، فإن علينا في الإعلام أن ندافع عن حق المجتمع من خلال الدفاع عن حقوق الفئة العريضة منه، وهم الطلبة. فليس من المعقول أن تبقى العملية التعليمية عرضة للتجاذبات السياسية، وحتى المطلبية والمهنية. وقد حان الوقت لنقابة المعلمين أن تحيّد العملية التعليمية عن هذه التجاذبات. فقد دفع الطلبة ثمن الإضرابات التي تسببت في اضطراب العملية التعليمة على مدى أربع سنوات مضت. وعلينا أن نلاحظ ارتباط بعض مظاهر تراجع التعليم، حسب بعض التقارير العالمية، بسنوات الإضرابات.
ما من شك في عدالة مطالب النقابة بتحسين أوضاع المعلمين، والحصول على العلاوات التي تم التوافق حولها. وصحيح أن النقابة نظمت ما يزيد على 40 فعالية احتجاجية خارج أوقات الدوام الرسمي طيلة الفترة الماضية، واستُقبلت بالمماطلة الحكومية؛ لكن كل ذلك لا يعني استنفاد أدوات التصعيد ووسائله كافة قبل اللجوء إلى الإضراب.
ثقافة الإضرابات والاعتصامات جديدة على المجتمع. ومن المفترض أن تعتاد الدولة والمجتمع على هذا السلوك، باعتباره أداة ديمقراطية للتعبير عن الرأي والمطالب، ومن المفترض أن تطور مؤسسات الدولة عموماً مواقف إجرائية ديمقراطية للتعامل مع هذا السلوك. فبدل أن نتذمر من هذه الأنماط من السلوك الجماهيري، حان الوقت أن نطور الثقافة المحلية حول حدود الإضرابات، ومتى نلجأ للاعتصامات؛ علينا أن نثقف الناس بأن هذه أدوات ديمقراطية للتأثير المتبادل، رأس مالها الحقيقي هو المجتمع، ومن يخسر المجتمع يخسر قضيته. وهذا ما نخشاه على النقابة وعلى المعلمين: أن يخسروا المجتمع، وبالتالي يخسروا قضيتهم.
إصلاح أحوال المعلمين يحتاج مسارا طويلا وعميقا، وهادئا في الوقت نفسه. وسيحتاج إلى مداخلات سياسية واقتصادية جريئة، من زوايا متعددة، لا تتوقف عند العلاوات المجدولة، بنفس طويل. ومن أجل الوصول إلى تقدير اجتماعي وسياسي لا يقل عن التقدير الاقتصادي الذي يجب أن يكون تحصيل حاصل، هناك حاجة ملحة لأن تلتقط الحكومة طرف الخيط، وتواصل مسار استعادة المعلمين.
التقدير السياسي والاجتماعي لمكانة المعلمين ولدورهم في صياغة مستقبل البلاد، يحتاج إلى ترجمة فعلية وتمثيل حقيقي. وعلينا أن نتساءل: هل فكرت الحكومات الأردنية المتعاقبة في أن تمنح أجيال المعلمين، العاملين والمتقاعدين منهم، التقدير المفترض، من خلال حضورهم في المجالس والهيئات التمثيلية؟ هل يوجد معلمون في المجلس الاقتصادي الاجتماعي؟ هل يوجد أحد منهم في مجالس المؤسسات العامة الكبرى والمتوسطة، وحتى في المجالس الاستشارية للمحافظات؟
حتى لا يخسر المعلمون قضيتهم، عليهم أن لا يستخدموا المجتمع في الضغط على الحكومة، من خلال تحويل العملية التعليمية إلى ساحة للتجاذبات في مرحلة تكثر فيها الشبهات.
0 comments:
إرسال تعليق