الحيرة والحرج السياسي والأخلاقي يتمثلان في هذه اللحظات في طريقة تعاطي الرأي العام العربي مع هذه الحروب وفي مقدمتها الحرب في غزة، وعلى الرغم من أن الحروب العربية الأخرى تعود بداياتها وتداعياتها إلى أشهر وبعضها إلى أعوام، وتزيد ضحاياها على مئات الآلاف، إلا أن ضعف ردود الفعل الشعبية العربية حيال مشهد غزة اليوم يستدعي التفكير بصوت مرتفع؛ كيف خلقت التحولات العربية خلال السنوات الاخيرة حالة من التطبيع الشعبي مع الحروب والقتل حتى مع فكرة العدوان والضحية والحق والعدالة.
وحيث تأخذ ظاهرة التطبيع مع العنف وأنماط انهيار الكيانات السياسية منحى خطيرا في تشكيل المجتمعات والكيانات العربية؛ نجد أنْ لا أفق واضحا أمام الحرب الدائرة في سورية والتي اقترب عدد ضحاياها من 200 ألف. والحرب الثانية التي انشغل العالم عنها هي الحرب الطائفية في العراق بكل تداعياتها الأخيرة. أما الحرب الثالثة التي تدور على الأرض الليبية فلا أحد يعرف بوضوح إلى من توجه البنادق في هذه البلاد الممزقة والمرشحة لسلسلة طويلة من الحروب، في اليمن تدور الحرب الرابعة على هيئة اقتتال طائفي تتورط فيه السلطة أحيانا، فيما تبني القاعدة نفوذها في مناطق أخرى. أما الحرب الخامسة فهي الحرب الدائرة فوق الأرض السودانية والتي تأخذ شكل استنزاف الموارد والاستنزاف السياسي منذ سنوات.
لقد ساهمت تحولات السنوات الثلاث الماضية في خلق ثقافة تطبيع جديدة، تطبيع مع الموت المجاني وثقافة الاعتياد على التفجيرات اليومية والقصف والتدمير وثقافة رؤية الجثث وثقافة الجنازات الجماعية اليومية والقبور الجماعية، ولكن للأسف مررت هذه الجرعات بدون حروب عادلة وبعضها حروب بدون قضية مع قدسية حماية حق جميع الضحايا بالحياة، فالعالم العربي اليوم أكثر مكان في العالم يشهد موتا يوميا وعلى أرضه تكاد تدار جميع الحروب المشتعلة في العالم.
حينما نتحدث عن ست حروب وعن نحو نصف مليون ضحية خلال نحو ثلاث سنوات، فإن الوقائع لها وقع الصدمة، صدمة مشاهد جثث الأطفال على بحر غزة أو مشاهد القذائف التي تمزق المدارس، في المقابل كيف حوّل الإغراق الإعلامي الصدمة إلى حالة عادية لا تثير الاهتمام أحيانا؟
ثمة صدمة أخلاقية بالمفهوم الاجتماعي والتاريخي يصدمنا بها الرأي العام العربي في ردوده الباردة والخجولة حيال كل ما يحدث؛ حيال هذا الإغراق في الحروب والاقتتال جنبا إلى جنب حيال المشاهد المرعبة القادمة من غزة، وصولا إلى المشاهد القادمة من الموصل وبغداد على حد سواء، ربما هذا أخطر تطبيع كان يمكن أن نشهده!
0 comments:
إرسال تعليق