الحديث هنا عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي العائد إلى السلطة مجددا وعبر صناديق الانتخابات؛ والرئيس المصري المقبل عبدالفتاح السيسي القادم إلى الرئاسة المصرية بالصناديق أيضا؛ وعلى الطريق الرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد وجوده في السلطة لسنوات مقبلة، بالمدافع والبراميل المتفجرة وبصناديق الاقتراع كذلك. أما رجل ليبيا القوي الجديد، اللواء خليفة حفتر، الذي يقود حاليا عملية عسكرية واسعة بعنوان "كرامة ليبيا"، فمن المتوقع أن ينجح عسكريا، ما سيؤهله للوصول إلى السلطة، وبالصناديق أيضا.
الذي يجمع بين رجال هذه المرحلة ملامح عديدة، على الرغم من أن لكل منهم ظروفه ومبرراته التي أوصلته، أو ستوصله إلى السلطة. والعامل المشترك الأول بينهم، والذي سيشكل لون النظم السياسية في العقد المقبل في العالم العربي، هو لعبة الصناديق الفارغة؛ أي الديمقراطية الشكلية التي تأخذ أشكالا متعددة من تزييف الديمقراطية، إلى تصنيع حالة أشبه بالديمقراطية، وصولا إلى الإكراه السياسي المباشر؛ المهم أن صناديق الانتخاب ستبقى فاعلة، وسوف يوصفون بأنهم رؤساء منتخبون. أما العامل المشترك الثاني، فهو أنهم جميعا يقدمون أنفسهم رجالا أقوياء قادرين على استعادة الاستقرار في بلدانهم. وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن لا أحد يدري إلى أي مدى سوف يتمكنون من حماية الاستقرار.
العامل الثالث الذي يجمعهم أنهم جميعا لديهم موقف من الإسلام السياسي المعاصر، وإن كان بعضهم قد خرج من رحم هذه التيارات، ونقصد هنا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي كان أحد زعماء حزب الدعوة الديني في العراق. فجميعهم لديهم موقف متشدد من حركة الإخوان المسلمين. أما العامل المشترك الرابع، فهو أنهم جميعا على استعداد للتكيف مع شروط اللعبة الدولية في الشرق الأوسط، وتحديدا الشروط الأميركية.
ولعل العامل المشترك الأخير هو المهم؛ أي القدرة على التكيف مع متطلبات اللعبة الدولية في المنطقة، وتحديدا الدور الأميركي، بما يتيح استمرار ضمان المصالح الأميركية والغربية بشكل عام، كما سيتيح استمرار الابتزاز الأميركي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان مرة أخرى؛ أي إعادة إنتاج نسخة جديدة من النظم السياسية التي رعتها الولايات المتحدة على مدى النصف الثاني من القرن العشرين.
الفكرة المهمة هي أن الفرصة ستبقى قائمة لاستعادة الديمقراطية، بعد أن كسرت المجتمعات العربية حاجز الخوف التاريخي، على الرغم من حجم التضحيات التي دُفعت، ما قد يجعل الانتكاسة وفشل ربيع الديمقراطية العربية مرحلة، لتعود مجددا المعركة من أجل الديمقراطية.
أسوأ ما في الديمقراطية أن تكون أشبه بالديمقراطية شكلا ومضمونا، ولكنها فعليا ليست بالديمقراطية، ولا تمت لها بصلة.
0 comments:
إرسال تعليق