القصة تتمثل في أن دائرة الهجرة النيجيرية أعلنت عن مجموعة وظائف شاغرة، تقدم لها مئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، ما دفع السلطات إلى دعوتهم للمقابلة على دفعات في الاستاد الرياضي في العاصمة، والذي يتسع لنحو 60 ألف شخص. وأثناء تدافع الشباب العاطلين عن العمل، قتل سبعة منهم، وجرح المئات.
هذه الحادثة الغريبة والمؤسفة، كما وصفتها وسائل إعلام، تكشف مدى اليأس في العثور على فرصة عمل في بلد مثل نيجيريا، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا، وأكثر دول القارة سكانا. كما تكشف عما يمكن أن يفعله الإحباط بالشباب الذي يريد أن يعمل، ويريد فرصة في الحياة؛ لكن تواجهه عوائق تكبله، واقتصادات مزدحمة بالفساد. والأكثر إحراجا حينما يحدث ذلك في بلد يتمتع بموارد، لكنه أُنهك من سوء الإدارة وغياب العدالة. كما يدلل على ذلك مثال نيجيريا؛ حيث "زاد النفط النيجيري الأغنياء ثراء، ونما الاقتصاد بأكثر من ستة في المئة خلال سنة؛ لكنه أخفق في خلق فرص عمل".
في نيجيريا تصل نسبة البطالة إلى 23 %، ما أدى إلى تجمع أكثر من 70 ألف شاب للمقابلة لبضع وظائف محدودة، فقتلوا بعضهم من التدافع. وفي بعض بلدان العالم العربي، تتجاوز البطالة نسبة 40 %. فتصوروا ماذا يمكن أن تفعل البطالة والعوز للعمل.
حسب منظمة العمل العربية، فإن مشكلة البطالة في العالم العربي هي الأسوأ في العالم؛ إذ إن معدل البطالة هو الأعلى بين مناطق العالم، بما في ذلك أفريقيا جنوب الصحراء. إذ يوجد ما يزيد على 20 مليون عربي عاطل عن العمل، وبوجه خاص بين الشباب والإناث. وهذا الرقم في ازدياد مستمر. في المقابل، تذكر تقارير دولية أن الأرصدة الرسمية العربية قاربت، مع نهاية العام الماضي، نصف الأرصدة العالمية، كما تضاعف مرات الناتج الوطني لبعض الدول النفطية العربية خلال آخر ثلاثة أعوام، بفضل طفرة أسعار النفط التي تتجاوز في هذا الوقت كل التوقعات.
المفارقات الكبرى تحدث في هذا العالم، حيث قسم يزداد فقراً، ويموت الناس فيه بالتدافع على طوابير الخبز وطوابير البحث عن العمل، بينما قسم آخر يزداد غنى بشكل مذهل؛ في الأرقام وفي الوقائع.
المسألة اليوم تتجاوز مقولات الحسد والغيرة التي سادت في خطابات وثقافة التبرير التي سيقت لمواجهة الدعوة للاستثمار في المستقبل التنموي العربي في عقد السبعينيات، فكان أن ذهبت تلك الثروات من دون أن تسهم في تدشين تنمية مستدامة تغير الحياة في هذه المنطقة، وتعيد تأهيل مكانتها الاقتصادية والسياسية في العالم. اليوم، نحن أمام أشبه ما يكون بدعوة الى شراكة قسرية في المستقبل، وإلا سيكون مصير المنطقة بأكملها نحو المزيد من التهميش والنهب المنظم لثرواتها، كما المزيد من الضياع الاجتماعي والتطرف والانغلاق، بل والانفجار من الداخل؛ ليس على طريقة "الربيع العربي" فقط.
0 comments:
إرسال تعليق