كارين هيوز في الشرق الأوسط أنهت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الديبلوماسية العامة، كارين هيوز، زيارتها للشرق الأوسط، والتي شملت كلا من مصر والسعودية وتركيا، وذلك قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك. والجديد في هذه الجولة هو توقيتها، والذي يذكّر، حسب بعض التعليقات الطريفة، بان أهم ما نجحت به الديبلوماسية العامة الأميركية منذ أحداث أيلول 2001، في سياق سعيها الدؤوب إلى تحسين صورة الولايات المتحدة لدى العرب والمسلمين، هو حفلات الإفطار الرمضانية التي أخذت تقيمها السفارات الأميركية في عواصم الدول العربية والإسلامية، ومأدبة الإفطار الكبرى التي بدأ البيت الأبيض بإقامتها كل عام على شرف عرب ومسلمين! هذه المرة، ركزت السيدة الأميركية في تصريحاتها على أن هذه الجولة هي بداية مرحلة جديدة في الديبلوماسية العامة، الهدف منها معالجة صراع أفكار يستمر أجيالا. وفي الوقت الذي أشارت فيه هيوز بوضوح إلى ان المرحلة الجديدة ستعنى بما يهم الشعوب وبالسياسات التي تؤثر في حياة الناس، فإنها عادت إلى المقولة الأميركية القديمة الجديدة التي يعبر عنها اليوم بالمطالبة بإحداث تحولات في مواقف الرأي العام العربي والإسلامي تجاه سياسات الولايات المتحدة؛ ويبدو أن هذا هو خلاصة المطلوب من مرحلة صراع الأفكار طويل الأمد التي تتحدث عنه الإدارة الأميركية. هناك إدراك متبادل بين العرب والأميركيين حول ضرورة تحسين صورة كل منهما لدى الآخر، فقد انتهت الموضة الدعائية التي ترددت تحت سؤال "لماذا يكرهوننا؟"، وبات الطرفان يتقاسمان سؤال: "لماذا يكره كل منا الآخر؟". وبينما لا يفعل العرب شيئا ملموسا او واضحا على الساحة الأميركية او في مواجهة التشويه المبرمج الذي يلحق بهم، ماتزال الولايات المتحدة تتعامل مع الأمر بمنطق حملات الترويج الإعلاني للسلع والخدمات! وهنا نتذكر وكيلة الخارجية الأميركية لشؤون الدبلوماسية العامة السابقة، شارلوت بنز، مصممة حملات الإعلانات لاحدى شركات الأرز الأميركية، فقد انحصرت مهمة بنز في نقل أفكار عالم الإعلانات والترويج التجاري إلى الإدارة الحكومية في التعامل مع العالم الإسلامي والعرب تحديدا! تعرف وكالة الاستعلامات الأميركية الديبلوماسية العامة بأنها: "الترويج للمصالح القومية والأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية عن طريق تفهم الشعوب الخارجية لأميركا، وتوسيع دائرة الحوار بين المواطنين الأميركيين والمؤسسات الأميركية وبين نظرائهم في الخارج... وفي إطار هذا الجهد، تهدف هذه الديبلوماسية إلى توضيح السياسة والقيم الأميركية للجمهور الخارجي، كما تهدف إلى المزيد من المشاركة الفعالة لتنمية التفاهم المشترك والثقة المتبادلة". وفي هذا السياق، يغيب عن هذا النمط من الدعاية الدولية العابرة للحدود المصير الذي تؤول إليه عادة الأقوال التي لا تستند إلى رصيد حقيقي من الأفعال، وهو الامر المتمثل في البون الشاسع بين أنشطة هذا النمط من الديبلوماسية وبين سياسات الولايات المتحدة على ارض الواقع. كما يغيب عن هذه الأنشطة إدراك حقيقة أخرى، مفادها أنه في الوقت الذي نجد فيه أن أغلب النخب السياسية الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي هم في أمس الحاجة إلى السياسة، فان الجماهير والشارع العربي تكاد تكون الأكثر تسييسا في العالم. بمعنى آخر، إن ما يحدث اليوم لا يكاد يتجاوز حدود الحكمة الأميركية التقليدية القائلة: "امسك العصا الغليظة بيدك وتحدث دائما بهدوء". المشكلة أن الإدارة الأمريكية تدرك أن تصعيد جهودها في مجال الترويج، من خلال أنشطة الديبلوماسية العامة، في السنوات القليلة الماضية باءت بالفشل، وان الموقف على الصعيد الشعبي يزداد تعقيدا، وان الشعوب المرهقة بالسياسات الظالمة التي تحمل أعباء تاريخية هذه الشعوب تدرك أيضا عبثية بعض برامج المساعدات المالية. خذ على سبيل المثال برامج المساعدات للفلسطينيين التي بدأت منذ العام 1993، وتمحورت حول قضايا (المياه والصحة والتعليم)، وجميعها قطاعات ازدادت سوءا من ذلك التاريخ! ربما ليس بفعل تلك البرامج وحدها، ولكن لا يمكن إنكار أن تلك البرامج لم تقدم الحلول الحقيقية والواقعية.ما تزال الديبلوماسية العامة على الطريقة الأميركية تخوض معاركها بنفس العدة والعتاد، بالرغم من أنها استندت إلى سلسلة من التقارير والدراسات العلمية، واهمها تقرير "أميركا تخسر صوتها"، الصادر عن معهد المشروع الأميركي، وأيضا تقرير "تغيير الفكر: الفوز بالسلام"، الذي أعدته المجموعة الاستشارية للديبلوماسية العامة للعالم العربي والإسلامي، وكذلك تقرير "اكتشاف صوت أميركا: استراتيجية لإعادة تنشيط وإحياء الديبلوماسية الأميركية العامة"، الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية، وغيرها من التقارير الرسمية او تلك التي أعدت بطلب من جهات رسمية، والتي أجمعت بكليتها على أن أنشطة الديبلوماسية العامة وحدها لا تكفي إذا ما افتقدت للارتباط بالديبلوماسية الرسمية، لكنها دائما تغافلت عن الإشارة إلى المكامن الحقيقية لجذور فجوة الفهم المتبادل بين الطرفين.وبالعودة إلى السيدة كارين هيويز التي اجتمعت مع شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي والبابا شنودة، ودخلت في حلقة نقاش مع طالبات وشابات سعوديات؛ فكما تطالب هيوز الناس في الشرق الأوسط بان يصغوا إليها وان يفهموا القيم الأميركية على حقيقتها، فإنها مطالبة بدورها بأن تصغي للناس وان تسمع المكبوت الذي يدور في وعيهم ووجدانهم منذ عقود. وكما أنها معنية بإلقاء دروس حول قيم الحياة الأميركية والحلم الذي تريد أن تصدره إلى العالم، فإن للناس هنا الحق في ان يعبروا عن أحلامهم وعن خصوصياتهم. فقد حان الوقت أن ترى النخب الأميركية خصوصا، والغربية بشكل عام، أن مصادر الصورة السلبية لدى المجتمعات العربية ليست الحياة الليبرالية والحرية الاجتماعية ونمط الحياة وقيمها، كما يحاول البعض الترويج له، بل هو ميراث طويل من السياسات الظالمة والمعايير المزدوجة والاستخفاف بكرامة المجتمعات واغتيال فرصها في النهوض والتطور. ثمة مساحة للفهم المشترك قابلة للحوار، وقابلة لترشيد حوارات حضارية حقيقية تنال السياسات والأفعال والأقوال. والفرصة الحقيقية أمام الديبلوماسية العامة والرسمية الأميركية أن تستثمر في تيارات العقلانية العربية الجديدة، تيارات الإصلاح الحقيقي التي دفعت الثمن وحدها حينما كانت القوة العظمى تدعم الأنظمة التسلطية وتمنحها القيود للتضييق على شعوبها. وربما يكون ذلك أجدى بكثير في سماع صوت الشارع العربي الحقيقي من ديبلوماسية وجبات الإفطار الرمضانية السريعة في السفارات الأميركي
0 comments:
إرسال تعليق