الغد : 16/10/2012
في الجنوب الغربي من معان، وعلى بعد (27) كلم جنوب البتراء، ووسط تكوين طبيعي وعـر هنالك قريـة أردنية اسمها "دلاغـة" يسكنها حوالي ثلاثـة آلاف نسمة اكثر من نصفهم يعاني من تواضع نوعيـة الحياة الذي يصل إلى "حالة من البؤس، الأمرالذي يفصلهم عن المعدلات التنموية الوطنيـة بفجـوة ربما تل في بع مؤشراتها إلى نصف قرن، ہريـة لا يصلها بث التلفزيـون الأ_دني، ولؤ تسمع فيها الإذاعة الأردنيـة ولا تغطيها شبكات شركات الهہاتف المہمولة بمعنى انها في عزلـة عن الوطن والعالم.فجـوة التنميـة وضعف القدرات التوزيعيـة لعوائد التنميـة ونتائجها لا تتوقف عند مشكلـة البطالـة ثم الفقر الحتمي. بل تتجاوز ذلك وتصل إلى مسألـة المواطنـة والعزلـة عن الوطن، أي تصـور الناس لذواتهم وتصورهم قبل كل شيء للوطن. والعزلـة التي نقصدها، ولدينـا أدلـة وأمثلة حيـة عليها، لا تعنى العزلـة المكانيـة لقرى أو تجمعات لا يمكن الوصـول إليها، بل هي عزلـة زمنيـة مفرغـة من التاريخ من جهـة، وعزلـة وجدانيـة من جهـة أخرى.احد وجوه المشكلـة التنمويـة في الأردن يبرز في التعامل المباشر والاشتباك المرير مع النتائج اكثر من الأسباب والمقدمات، لقد صرفت الحكومات والنخب الأردنيـة - على مدى اكثر من عقد ونصف- جل جهدها بالتصدى لقضايا التنميـة، وفي الحديث عن البطالـة والفقـر دون تقديم تفسيرات مقنعـة وجديـة تلامس ولو أطراف الحقيقيـة. في حين مارسنـا ردحا من الزمن ترف الحديث عن "ثقا_ـة العيH" ولم تقدم عشرات الدراسات والتقارير المحليـة والدوليـة ہركام الہرقام وقائع جديـة تفسر جآهر الاخہلالات الاقتصاديـة والاجتماعيـة وتصل إلى عمق فهم آليـات ہأثير رأء المال وقواه وأنماط الإتاج وعلقاتها في إنتاج الاختلالؤت في خصصياتها الأردنية. لنأخذ على سبيل المثال ما هو التفسير المقنع بأن محافظتين بأكملهما يسكنهما حوالي (350) الف مواطن، أحدهما في الشمال والأخرى في الجنوب، لا يتوفر فيهما مخبز يقدم للناس هناك رغيف خبز تتوافر فيـه الشروط الصحيـة بالحدود المعقولة. وما هو تفسير أن بلدة مثل الشوبك كان من الأحرى أن تكون سلـة للخير الوطني يهاجر منها بدون عودة (11) مواطناً كل شهر إلى عمان والزرقاء والعقبة، وأصبحت معظم أحيائها وقراها أطلالا لا أكثر.من المزفر على حدود العقبة إلى المريغـه وايل والبيضا وقريقرة والجربا ومحي وفقوع وارحاب وأم الجمال وبرما والمصطبة وخربـة الوهادنة وعيرا وأم الرصاص وغيرها تنتشر عشرات القرى الأردنية التي ما زال بعضها مجهولاً ولا يظهر إلا على خرائط دائرة الأراضي. ولن نبالغ بأن فجـوة التنميـة في بعضها تصل إلى عقود، حيث ان فتح ملف السياسات التنموية الوطنيـة يعنب قبل كل_شيء إعادة تسيير التنمية_على قدم ها بدلاً من رأسها؛ بإعا_ة تعريف إدارة الندرة في المواردوتأهيله_ وطنياً وصياغة القدرات لتوزيعية للدولة كي تصل تلك القرى شبة المعزولة عن جسد الوطن.وبلعودة إلى قرية دلاغة أح النماذؤ الصارخة على تلك الفجوة والعوز الوطني، فقد أثبتت دراسة ميدانية أنجزتها جامعة الحُسين بن طلال بأن نسبة الأمية العامة تصل فيها إلى (28?) ولدى الإناث (38?)! يأتي هذا في الوقت الذي ننتظر وطنياً جيلا واحدا كي ندفن آخر الأميين لنجد أنّ هذه القرية وأمثلتها تحتاج إلى ثلاثة أجيال على أقل تقدير. ونسبة الاسر التي ما تزال تحت خط الفقر وفق تعريفه الوطني تصل إلى (61?)،ومعدل البطالة يصل (35?)، في حين تنفق الاسر اكثر من نصف دخلها على الغذاء، ونسبة المصابين بإعاقات (17.9?) أي ما يقارب ضعف النسبة الوطنية، ومن المفارقات التي خرجت بها الدراسة، ان (40?) من السكان لا يشاهدون التلفزيون نهائياً علماً بأن بث التلفزيون الأردني الأرضي لا يصل إلى القرية. في حين تعاني القرية آفة بيئية تتمثل في انتشار الأفاعي والعقارب بشكل مثير للدهشة. أمثلـة (دلاغـة) متعددة في الجنوب والوسط والشمال، وتتجاوز قصـة جيوب الفقر التي تتحدث عنها التقارير الرسميـة والدوليـة، وتتجاوز مسألبة الحرمن من اكتساب القدرات البشريـة، بل تصل إلى كنه المواطنة وجوهرها من زاويـة أخـرى غير تلك ا تي يروجلها، انها الوقائع التي شير في ہذرها إلى معضلة سياسية في صنع السياسات العامة منذ عقـود.
0 comments:
إرسال تعليق