الغد : 16/10/2012
لا يمكن ان ننكر الاعجاب بقدرة الدبلوماسية الايرانية على مدى السنوات الماضية في ادارة طموحات ايران نحو امتلاك قدرات نووية، وسط ترقب العالم وحساسيته المفرطة حيال هذا الملف الشهير. هذه الدبلوماسية النووية عملت طوال السنوات الماضية على احداث تسويات مفاجئة احيانا واخرى هادئة تعيق تحويل الملف الايراني الى مجلس الامن الذي يعني فرض عقوبات جديدة على ايران وصولاً الى تشريع استخدام القوة في مرحلة لاحقة.بالامس عارضت ايران الاقتراح الروسي باستكمال دورة انتاج اليورانيوم على الاراضي الروسية ثم نقله الى ايران، معللة ذلك بحقها في انتاج هذه القدرات على ارضها. ويأتي هذا التصعيد بعد مرحلة من التهدئة التي رافقت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تجميد ايران لانشطة تخصيب اليورانيوم، والذي شكل قبل اقل من عام ضربة استباقية من نوع اخر عطلت جهود الولايات المتحدة المعلنة لاحالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن. واخذ التصعيد مداه في خطاب الرئيس الايراني احمدي نجاد قبل فترة قليلة امام الجمعية العامة للامم المتحدة، والذي دافع بقوة عن حق ايران بتطوير تكنولوجيا نووية وبامتلاكها. في الوقت الذي تكررت فيه تحذيرات ايرانية اخرى بان الرد على احالة الملف النووي الى مجلس الامن سيدفع ايران نحو توسيع انشطتها النووية بدل ايقافها. في المقابل يتزاحم الرفاق الروس على حمل الملف الايراني، ويطالب وزير الخارجية الروسي الدول الغربية بعدم تسيس القضية متهما بعض تلك الدول باستغلال هذا الملف لتحقيق اغراض سياسية.تمتلك الدبلوماسية الايرانية مهارة عالية في حياكة خيوط هذا الملف عبر علاقات دقيقة وحذرة تمتد من الصين وروسيا مرورا بالترويكا الاوروبية وصولا الى حالة الغموض الاستراتيجي الذي يلف علاقاتها بالولايات المتحدة، وكأن حياكة هذا الملف صناعة يدوية لسجادة فارسية قشيبة، الى جانب توظيف عناصر اللعبة السياسية الدولية والاقليمية، وخلق حالة توازن دقيق بين جملة من المصالح لعل اهمها الموقف في العراق وطموحات ايران الاقليمية الآخذة في النمو نحو دولة اقليمية ذات قوة ضارية، الى جانب غموض ربما مقصود في الاستراتيجيات المتبادلة في علاقاتها مع الولايات المتحدة؛ ذلك الغموض الذي يريح الطرفين معا، ولا يظهر منه للعلن الا تاريخ صراع المصالح الطويل الذي تنبعث منه روائح النفط والمياه والكعكة النووية الصفراء، رغم ما يظهر على السطح من انفاس الايدولوجيا وصراع الهويات.بين خطاب الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي - في عام الفين امام القمة الاسلامية- حينما غاب عنه تماما خطاب الثورة حيال الصراع مع الاسرائيليين، وبين خطابات احمدي نجاد هذه الايام هناك مستجدات عديدة في حسبة مصالح الدولة الايرانية وطموحاتها حيث يبحث نجاد عن التوازن وهو يحمل ملفه النووي واقدامه تتغلغل في ارض العراق ويزاود على شراء الرأي العام العربي.في هذا السياق ثمة سلسلة من الاسئلة المشروعة؛ مع الاخذ بعين الاعتبار حق ايران في تطوير تكنولوجيا متقدمة في كل المجالات؛ ماذا لو لم تحمل الاحداث المنطقة الى المصير الذي آلت اليه في نيسان عام 2003 بعد احتلال العراق؛ هل سيستمر الخطاب الايراني الذي قَبل بالتهدئة في وقت سابق، ام ان ازدياد التغلغل الايراني في العراق والتحكم في مصيره بالسيطرة على مراكزه العصبية هو الذي منح ايران قوة مضاعفة حتى اصبحت الورقة العراقية اداة ضغط لتحقيق مكاسب على هذا الصعيد وغيره، ما يفسر بان الولايات المتحدة -كما قيل- قد كلفت سفيرها في بغداد المخضرم في الاحتلالات بالتفاوض مع الايرانين في الملفين الامني العراقي والنووي معا. والسؤال الاخر: ما الوزن الذي يقيمه مطبخ صنع الإستراتيجيات الايراني للعلاقات العربية- الايرانية في هذه المرحلة، ونحن نلاحظ حرص ايران على مخاطبة الرأي العام العربي اكثر من بناء جسور مع الانظمة الرسمية العربية؟. ثم، ما هو حجم التعاطي الايراني- الاميركي الحقيقي في الملف العراقي مقابل الملف النووي، وهل ثمة مدخل عربي- اميركي- ايراني قادم لصياغة التوافق العراقي على قاعدة توزيع المغانم.يبدو ان الملف النووي الايراني آخذ في التداخل بخيوط متعددة في امتداد اقليمي ودولي وبالطول والعرض. ويبدو ان التعاطي مع هذا الامتداد مريح لكثير من الاطراف.
0 comments:
إرسال تعليق