يأتي التوجه الذي أعلنه وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبوع الماضي والذي أعرب من خلاله عن النية لإنشاء جامعة أردنية– يمنية في عدن خطوة في الاتجاه الصحيح لتطوير التعليم العالي، واستثمار سمعته وإنجازاته. بل خطوة تحسب في اتجاه إصلاح التعليم العالي. وإذا ما وفق هذا التوجـه ووجد صداه على أرض الواقع سيكون احدى الروافع التي ستعمل على إعادة العربة إلى الطريق الصحيح، على الرغم من ان الإعلان المقتضب ما زال في حيز النوايا، ولم يترجم إلى مبادرة واضحـة الملامح.
صحيح ان الجامعات الأردنيـة في هذه المرحلـة بحاجة إلى إصلاح حقيقي وتمر في مرحلة إعادة تفكير بأحوالها الأكاديمية والإدارية، وهي أمام تحديات متعددة لاثبات وجودها في محيط إقليمي متغير تنتابه موجات تنافس واسعة. لكن التعليم العالي الأردني يملك رصيدا من الإنجاز والسمعة يؤهله للتجدد والانطلاق مرة أخرى، ولعل استراتيجية التوسع نحو الخارج انفع وأجدى وطنياً من التوسع الكمي الداخلي وما رافقها من حالـة انكفاء على الذات مرت بها المؤسسات الجامعية منذ مطلع التسعينيات، وقد آن الأوان للخروج منها بمبادلات تعيد لهذا القطاع الحيوي فعاليته باعتباره احد عناصر قوة الدولة وليس مجرد قطاع خدمي يستثمر في استيعاب الضغوط الاجتماعية والمطالب السياسية من قبل الحكومات، التي عودتنا على تفريغ بعض ازماتها السياسية والاجتماعية من خلالـه.
المطلوب من الحكومـة الحاليـة ان تنظر إلى هذا الموضـوع بجديـة معززة بإدارة سياسيـة واضحـة وبجداول زمنية محددة تضمن إنشاء تجمع استثماري لصالح الجامعات الأردنية الحكومية تفُعل من خلاله صناديق الاستثمار المعطلة في معظم الجامعات، ضمن خطـة تضمن إنشاء خمس جامعات أردنية على الأقل في البيئات التي تتوفر فيها الشروط الأساسية لنجاح هذه المشاريع مثل اليمن ودول الخليج العربي وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.
ما زالت العديد من الدول الإقليمية والإسلامية غير قادرة على استيعاب كافة مواردها البشريـة التي تحتاج إلى تأهيلها أكاديمياً ضمن مؤسساتها التعليميـة، على سبيل المثال تشير الدراسات والأرقام السعوديـة إلى ان المملكة من خلال جامعاتها وكلياتها تستطيع ان تستوعب في حدود 70% من العدد المطلوب للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، في حين من المتوقع ان تعمل السعودية على ايفاد ما يزيد على ربع مليون طالب سعودي للدراسة في الجامعات الخارجيـة خلال السنوات الخمس القادمـة. هذا الأمر ينسحب على دول نفطيـة عربية وإسلامية أخرى شهدت اقتصادياتها تطورات كبيـرة وازداد فيها الطلب على التعليم العالي، وإذا ما اخذ بعين الاعتبـار التراجع المستمر في التحاق الطلبة العرب والمسلمين في جامعات الدول الغربية في ضـوء محددات الظروف السياسية والأمنية السائدة في العالم فإن اسواق التعليم العالي تتبدل بسرعة كبيـرة.</p>
ان الجامعات الأردنيـة وقطاع التعليم العالي بشكل عام أمام فرصـة مهمة لبناء هوية تعليمية في المحيط الإقليمي والدولي، حيث يملك هذا القطاع عناصر قوة إيجابية في هذا المجال. إذا ما علمنا ان التعليم خدمة أحد مدخلاتها الأساسية الهوية المعنونة التي تتكون من السمعـة والخبرات والبيئـة الامنية والاجتماعيـة. وعلاوة على ان امتداد التعليم العالي المؤسسي إلى الخارج سيكون بمثابـة بدايـة لتأسيس موضـوعي للقوة الناعمة للدولة الأردنية، بعيداً عن الفشل الذي منينا بـه خـلال العقـود الماضية في مجالات الثقافـة والفنون والآداب، ولعل هذا العنصـر على المستوى الدولي مرشح ان يكون أحد أهم مدخلات قوة الدولة خلال العقد القادم، وتزداد قيمته في ضوء ظروف ومحددات البيئـة الإقليمية العربية وما ينتظرها من تغيرات.
من الجانب الآخر، فاذا كانت تقارير التنمية الإنسانية العربية وقناعات قادة الرأي والمفكرين قد استقرت على ان أولويات العالم العربي تدور حول ثلاثية (الإصلاح السياسي، أوضاع المرأة، التعليم واكتساب المعرفة) فإن اليقين يذهب نحو التأكيد بأن الدول والمجتمعات العربية ستكون اقدر واكثر جدية في منح التعليم أولوية على غيره خلال السنوات والعقود القادمة، وستوظف جانباً من الوفرات المالية التي تجنيها بعض الدول في مجالات التعليم، ما يعني ازدياد الطلب على التعليم العالي بشكل اكبر.
كانت هناك محاولات لبعض الجامعات الأردنية لفتح فروع لها في دول إقليمية، لكن بعضها لم ير النور والآخر ما زال متعثراً. والمطلوب اليوم الخروج بخطة وطنية تتبناها الحكومة وتشترك فيها كافة الجامعات، تستثمر رصيد العلاقات الدولية الأردنية، فأمام هذا القطاع فرصة لا ينفع فيها التأجيل والانتظـار
0 comments:
إرسال تعليق