ومن المنطقي محليا أن تعيد حادثة سقوط الطائرة الأردنية الجدل من جديد حول مدى ما تتمتع به مشاركة الأردن في التحالف الدولي لمحاربة "داعش" بالشرعية الوطنية والوفاق العام. في المقابل، تستثمر اتجاهات أخرى الحادثة للدفع بفكرة مشاركة الأردن في تدخل بري في مواجهة التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة. وبعد مرور كل هذه الأشهر على بدء عمليات التحالف الدولي، وبعد أن قدّم الأردن أولى التضحيات في سبيل تحقيق أهداف هذا التحالف، تبرز أكثر من "لكن" حول الثمن الذي تلقاه الأردن وسط حالة شبه نكران عربي ودولي.
صحيح أن الأردن يخوض هذه الحرب، ويقدم تسهيلات لوجستية، ويفتح أراضيه لقوى التحالف الدولي ويدعمها عملياتيا واستخباريا، انطلاقا من الإيمان برفض التطرف، والدفاع عن رسالة الإسلام، كما الدفاع عن حدوده وأمنه الوطني، لكن ما يدركه الأردنيون والعرب والعالم بأكمله، هو أن "داعش" وغيره لا يخلو من التصنيع في مرحلة من مراحل تكوينه، وأن ثمة دولا وقوى تغذيه، وأنه إلى اليوم لم تتبلور جدية حقيقية في محاربته، وأن التحالف الدولي أضعف من القيام بهذه المهمة. كل هذه المعطيات تجعل من حق المجتمع الأردني التساؤل عن ثمن عادل لكل ما يقدمه؛ فماذا فعلت النظم العربية للأردن؟ هل تكفلت بسداد مديونيته التي تجاوزت العشرين مليار دولار؟ هل زودته بالنفط والغاز؟ هل قام الغرب بتقديم دعم حقيقي للمنظومات الدفاعية الوطنية؟
النظم العربية المهددة من قبل "داعش"، هي ذاتها النظم التي لديها فوائض قادرة بنسب ضئيلة منها على حل الكثير من مشاكل الأردن. ورأينا كيف ضخت الأموال في مصر واليمن، والتزمت خلال ساعات بتسليح الجيش اللبناني، فيما لم يحدث ذلك إلا بأضيق الحدود وبشروط قاسية مع الأردن؛ فما تزال المعادلة هي ذاتها "لا يريدون للأردن أن يموت.. ولا يريدون له الحياة".
في هذه اللحظات، الحرب على الإرهاب والتطرف وصناعة الطوائف، يجب أن تكون حربا عربية بالدرجة الأولى. وعلى الدول التي ساهمت في زراعة هذه الظاهرة ونموها وتصنيعها، إدراك حجم الأثمان التي ستُدفع، ليس من قبل هذا الجيل وحسب، بل ومن قبل الأجيال المقبلة. فقد حان الوقت لإعادة تعريف الإرهاب، وإعادة تعريف الإسلام السياسي الجديد، ووضع حدود فاصلة بين من يريد أن يمارس الديمقراطية باستخدام مضامين إسلامية سلمية، وبين من يستخدم الإسلام للقتل والترويع.
الالتزام بقتال هذه التنظيمات الظلامية هو دفاع عن الإنسانية جمعاء، وأنبل صور الدفاع عن الإسلام النقي. وهي حربنا وحرب العرب قبل غيرهم. لكنها ستكون حربا قاسية وطويلة ومؤلمة، ما لم تكن حربا عادلة لكافة الأطراف، وما لم يصل التحالف الدولي إلى قناعة بخوض الحرب بأكملها؛ فأشباه المعارك وأنصافها أسوأ من ترك العدو من دون قتال.
0 comments:
إرسال تعليق