مع نهاية مرحلة الإعادة في الانتخابات التونسية تبدأ ملامح نمط القيادة في عدد من الدول العربية ولنصف عقد قادم على الأقل بالتبلور بشكل واضح، بمعنى أن مخرجات مخاض المرحلة الثانية من التحولات العربية بدأ يأخذ شكله السياسي على الأرض، ما سيوفر معرفة حدود وملامح المعركة من أجل الديمقراطية ومصيرها، وطبيعة ونمط القيم السياسية ونمط التفاعلات الصراعية والتعاونية المقبلة، يحدث ذلك في مصر والعراق وتونس وليبيا وسورية حيث يبرز رجال هذه المرحلة الذين من المنتظر أن يصلوا إلى السلطة أو أولئك الذين أصبح في حكم المؤكد وصولهم أو استمرارهم في السلطة.
أصبح من شبه المؤكد أن يصل زعيم حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي (87 عاما) إلى كرسي الرئاسة بصناديق الاقتراع كما حدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي جاء بالصناديق أيضا؛ فيما جدد الرئيس السوري بشار الأسد وجوده في السلطة لسنوات قادمة بالمدافع وبصناديق الاقتراع أيضا، في العراق تطلبت أجندة الصراع الداخلي والإقليمي اللجوء إلى استدارة بأدوات شبه ديمقراطية باختيار حيدر العبادي من نفس الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس السابق وبالأجندة السياسية ذاتها. أما رجل ليبيا القوي الجديد اللواء خليفة حفتر الذي يقود حاليا عملية عسكرية واسعة بعنوان "كرامة ليبيا" ومن المتوقع أن ينجح عسكريا في ضوء ما يجده من دعم دولي وإقليمي، ما سيؤهله للوصول الى السلطة وبالصناديق أيضا.
ما يجمع بين رجال هذه المرحلة ملامح عديدة رغم أن لكل منهم ظروفه ومبرراته التي أوصلته أو سوف توصله إلى السلطة، ولكن العامل المشترك بينهم وهو ما سيشكل لون النظم السياسية في العقد القادم في العالم العربي وهو لعبة الصناديق، أي الديمقراطية الشكلية التي تأخذ أشكالا متعددة من تزييف الديمقراطية إلى تصنيع حالة أشبه بالديمقراطية وصولا إلى الاكراه السياسي المباشر. المهم أن صناديق الانتخاب ستبقى فاعلة وسوف يوصفون على أنهم رؤساء منتخبون. العامل المشترك الثاني أنهم جميعا يقدمون انفسهم بالرجال الاقوياء القادرين على استعادة الاستقرار في بلدانهم، وهذا صحيح الى حد ما، ولكن لا أحد يدري إلى اي مدى سوف يتمكنون من حماية الاستقرار. العامل الثالث أنهم جميعا لديهم موقف من الإسلام السياسي المعاصر. أما العامل المشترك الرابع فإنهم جميعا على استعداد للتكيف مع شروط اللعبة الدولية في الشرق الاوسط وتحديدا الشروط الأميركية، ومعظمهم له تاريخ من العلاقات والاتصالات بالاستخبارات الأميركية. أي إعادة إنتاج نسخة جديدة من النظم السياسية التي رعتها الولايات المتحدة على مدى النصف الثاني من القرن العشرين.
المعنى الحقيقي أن هذا سيمضي بلا تاريخ، أي بلا تغيير حقيقي فيما ستبقى الفرصة قائمة لاستعادة التاريخ، لكن بموجة جديدة من الثورات بعد أن كسرت المجتمعات العربية حاجز الخوف التاريخي.
0 comments:
إرسال تعليق