التعامل الحرج مع معركة الرموز يضرب بعيدا في العمق الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الإسلامية، من خلال الرنين الوجداني والروحاني للكلمات والمفاهيم والأشكال والألوان التي تأسس عليها التراث الروحي والثقافي الإسلامي عبر قرون طويلة، والتي تجدها التنظيمات الدينية المتطرفة موردا ثريا للتعبئة وكسب التأييد. فالرنين الثقافي والمعنوي لمفهوم "الدولة الإسلامية"، وبلا شك، يأسر مئات الملايين من عامة المسلمين، في شرق العالم وغربه؛ كما هي الحال في الرموز والدلالات المنزوعة من سياقها التاريخي، والتي توظف اليوم جنبا إلى جنب عناصر المركب الدعائي المادي القائم على الصدمة والترويع ونشر الرعب.
في هذا الوقت، نطالع ، بشكل شبه يومي، نتائج استطلاعات ودراسات مسحية حول اتجاهات المجتمعات العربية والإسلامية بشأن التطرف والتنظيمات الإسلامية والكيانات التي قامت باسمها، وسط فوضى في الأرقام والإحصاءات التي ذهبت مذاهب شتى حول مدى توفر ما يسمى "الحواضن الاجتماعية" لهذه التنظيمات. والرموز ودلالاتها الدينية، تحتل مكانة مهمة في تحديد الخيارات والمواقف.
المعادلة الدعائية لتنظيم "داعش"، قائمة على ركنين؛ مادي ومعنوي. في الركن المادي، تبرز قسوة دعاية الفعل؛ أي الأفعال المادية المقصود منها أثر دعائي. ومثالها المعروف هو كيف يستخدم التنظيم قطع الرؤوس كأداة إرهاب لمناوئيه. فمسألة الإعدامات وطريقة تنفيذها هي أفعال دعائية بحتة، هدفها إثارة الرعب والاستسلام. وعلينا أن نتنبه إلى أن ظاهرة العنف السياسي، أي أشكال الإرهاب كافة، ليست ظاهرة ثقافية، بل هي مرتبطة بشكل رئيس بحياة الناس الاجتماعية والسياسية.
أما الركن المعنوي، فيستند إلى المشترك الثقافي بأبعاده الدينية والتاريخية، والذي يصعب تماما اختراقه أو بناء خطاب دعائي مقابل له أمام عامة مجتمع المسلمين. فلا يمكن، على سبيل المثال، بناء صورة لعدو يحمل مسمى "الدولة الإسلامية"، ولا بناء صورة تعكس واقع ما يمارسه البغدادي تحت مسمى "خليفة المسلمين".
في التسجيل الأخير المنسوب لأبي بكر البغدادي؛ زعيم "داعش"، يبدو واضحا قوة الخطاب الدعائي المرتبط بالأفعال؛ بأن استراتيجيته هي التي تكسب الجولات. فالركن المعنوي من الخطاب الذي استند إلى الآية القرآنية "ولو كره الكافرون" يرتبط بالأفعال الدعائية المادية التي تجري على الأرض، ومنها إعلان عدد من المجموعات الجهادية في مصر واليمن وليبيا، بيعتها للتنظيم؛ ومنها من أعلن تغيير مسماه، فأصبح ولاية تابعة للدولة المركزية في العراق وسورية، فيما تتواصل العمليات الجوية للتحالف الدولي للشهر الثاني، من دون أن تحقق إنجازات حقيقية على الأرض، ولا إنجازات فعلية على صعيد اتجاهات المجتمعات العربية والإسلامية.
إن معركة الرموز في الحرب على التطرف الديني، سيكون لها دور حاسم في حسم هذه الحرب. وما يزال أداء قوى التطرف هو الأقوى والأكثر فعالية واستفادة من الموارد المجانية الأكثر ثراء وتأثيرا.
0 comments:
إرسال تعليق