بدأت الصفقة العراقية تأخذ ملامحها بسرعة بعد التوافق على منصب رئيس البرلمان، والتوافق الكردي على منصب رئيس الجمهورية. وشكل تحدي كتلة دولة القانون التي يقودها نوري المالكي عقبة كبيرة في سبيل الوصول إلى تسوية توافقية، فيما يدرك جميع الفرقاء أن المالكي قد استنفد كل فرصه، وأن حصوله على فترة رئاسية جديدة لا يعني تدوير الأزمات العراقية، بل وضع مصير هذا البلد على المحك الجدي هذه المرة. في هذا الوقت، جاء ترشيح القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي ورقة الهروب التي عادت مرة أخرى واشنطن وطهران إلى التوافق حولها، وسرعان ما انضمت عواصم إقليمية ودولية لهذا التوافق، ما جعل المالكي الذي بقي حتى اللحظات الأخيرة متمسكا بموقفه ويعقد الاجتماعات لقادة الأجهزة العسكرية والأمنية التي بقيت تحت سيطرته، يشعر أنه وحيد بعد أن هرب كل الحلفاء التقليديين من حوله، الأمر الذي دفع به أخيرا بعد تشبث عجيب بالسلطة إلى القبول بالواقع، والخروج من هذا العناد السياسي.
رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي هو نتاج صفقة أميركية-إيرانية، تم التوافق حوله من خلال مهندس الصفقات الأميركية الشهير السفير زلماي خليل زاد. وقد دفع الشعب العراقي خلال سنوات حكمه الثماني خسائر في الأرواح ضعف ما قدمه خلال المجازر على امتداد العقود الأربعة الماضية. إذ تذهب تقديرات مستقلة إلى أن الضحايا المدنيين في هذه الفترة قد وصل عددهم إلى نحو 160 ألف شخص، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أنهم تجاوزوا 200 ألف ضحية، جلهم في بدايات حكم المالكي، حين اشتد الصراع الطائفي ووصل ذروته. ويقدر عدد ضحايا التفجيرات في بغداد وحدها بنحو 48 ألف ضحية.
لقد فشل عهد المالكي تماما في إحداث أي إنجاز أمني. بينما ستبقى الحالة الأمنية في العراق، وما شهدته من مسلسل تفجيرات يومية، لغزا يرتبط بشخصية المالكي وتحالفاته المريبة. وخلال هذه السنوات، خسرت الدولة العراقية أبرز ملامح هويتها الوطنية تحت ضربات الانقسام الطائفي الذي وصل حد أن يلجأ المالكي إلى محاكمة نائب رئيس الجمهورية، ما دفع بهذا الأخير إلى الهرب. ووصل التدهور ذروته مع ما سمي "الانتفاضة السنية"، ودخول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مسرح الأحداث، وسيطرته على ثلث مساحة البلاد، وانهيار الجيش العراقي بشكل مخجل أمام عناصر هذا التنظيم.
ما هو سر هذا التوافق الإقليمي والدولي السريع على إخراج المالكي واستبداله بالعبادي؟ وهل وصلت هذه الأطراف إلى قناعة بأن المعارك المقبلة ستكون أكثر قسوة بعدما اشتدت شوكة "داعش" وأنه اصبح عمليا يهدد كردستان، وبعد مجازر الإيزيديين وحصارهم؟ وهل سيتمدد هذا المنهج إلى صفقات تشمل ملف الرئاسة اللبناني الذي يعد ملفا دوليا وإقليميا وليس لبنانيا، وربما إلى صفقة أخرى تشمل مستقبل الصراع في سورية؟
0 comments:
إرسال تعليق