السؤال الأهم اليوم؛ كم يمكن أن تصمد المقاومة الفلسطينية في المواجهة الجارية في غزة، وما هي فرص أن تنتقل المقاومة إلى الضفة الغربية، ووفق الحسابات الاستراتيجية وموازين القوى غير المتكافئة ابدا، وكم ستكون الخسائر الاسرائيلية مقابل الخسائر الفلسطينية، وبالنتيجة هل ستقود المقاومة السلمية الشرسة والمقاومة المسلحة في يوم ما إلى تغيير في قواعد الصراع في لحظة ما.
ما يجري اليوم في غزة هو الحرب الفلسطينية – الاسرائيلية الأولى في تاريخ الصراع حول فلسطين التاريخية، حيث تتوفر العديد من شروط الحرب وأهمها قدرة كل طرف على إيقاع الخسائر بالطرف الآخر، فلقد خاض العرب كافة حروب اسرائيل ولم يوفقوا، وأصبحوا عمليا جزءا من إدارة الصراع مع القوى الدولية بدلا من حله أو حسمه، فيما كان الفلسطينيون جزءا من ماكنة الصراعات العربية – العربية، ولم تأتِ من قبل لحظتهم التاريخية في أن يخوضوا معركتهم بأنفسهم، فيما بقيت القيادات السياسية الفلسطينية، ومنذ أكثر من أربعة عقود تطالب بحقها أن تكون الممثل الشرعي والوحيد، وذهبت بهذا التمثيل إلى لعبة طاولات المفاوضات التي استهلكت الشعب الفلسطيني وكادت أن تفرغه من قواه الحية لا بل استهلكته معنويا ونفسيا وثقافيا.
هذا الكلام حتما لا يطرب دعاة قومية المعركة، وفي المحصلة فهو لا يعني قطيعة مع هذا المبدأ الذي استهلك القضية الفلسطينية منذ دخلت الجيوش العربية فلسطين لأول مرة في عام 1948، فأكثر من ستة عقود كافية بالنسبة للفلسطينيين لإعادة تعريف مكانتهم من قضيتهم، فلقد دفع العراقيون مئات الآلاف من الضحايا خلال عشر سنوات بدون معنى وطني حقيقي، ودفع السوريون الثمن الغالي نحو مائتي ألف ضحية، وقس على ذلك حجم الخسائر العربية خلال آخر ثلاثة أعوام التي ربما تجاوزت أكثر من نصف مليون في حروب واقتتال داخلي مجنون بدون طائل لم يحصد لا الديمقراطية ولا الكرامة الوطنية، فهل قدم العرب ربع هذه التضحية من أجل فلسطين في كل حروبهم؟!
الرهان الحقيقي اليوم في قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود أكبر قدر ممكن من الوقت بعيدا عن المواجهات السريعة الخاطفة التي أسست وأدارت اسرائيل من خلالها كافة حروبها. إن الحرب الطويلة هي خلاصة وأيقونة كل حروب التحرير عبر التاريخ، وتحديدا حينما تكون المقاومة في أبعد نقطة عن موازين القوى، وهو ما حدث بالفعل في المقاومة الفيتنامية التي واجهت أكبر قوة في العالم؛ أليست تقنية حروب الأنفاق التي أذهلت الجيش الأميركي أسلوبا فيتنامي الأصل، وكان أحد أسباب انتصارهم التاريخي. وقس على ذلك المقاومة في البوسنة في مواجهة العدوانية الصربية والمقاومة الجزائرية في مواجهة العدوانية الاستعمارية الفرنسية وغيرها عشرات الأمثلة.
قواعد الصراع لن تتغير إلا على الأرض، والفلسطينيون وحدهم هم القادرون على تغيير هذه القواعد بالمقاومة السلمية والمقاومة المسلحة. صحيح أن هذه الحرب الاسرائيلية الثالثة على غزة ولكنها الحرب الفلسطينية – الاسرائيلية الأولى التي تخوضها معظم الفصائل الفلسطينية وربما يتبعها الآخرون، وثمة حد أدنى متوفر من الوفاق الوطني الفلسطيني لم يتحقق منذ زمن، والأهم من ذلك أنها تأتي في فترة انكشاف عربي. وتثبت هذه المقاومة قدرتها على الاستمرار وإيقاع الخسائر المؤلمة في الطرف الإسرائيلي.
0 comments:
إرسال تعليق