استمرار العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة أعاد إلى الأذهان المطالبات المستمرة من الرأي العام وقادة الرأي الفلسطيني والعربي بتفعيل مبدأ المساءلة الدولية، وتصعيد العمل القانوني الضاغط على اسرائيل، وتحديدا بعدما لجأت السلطة الوطنية للانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والمطالبة بانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما هددت به السلطة قبل أيام قليلة في مواجهة العدوان الاسرائيلي على غزة، لكن المشكلة أن الكثير من الأصوات تأخذ المحمول القانوني والحقوقي بعيدا عن سياقه السياسي، لهذا تفلت اسرائيل دوما من العقاب منذ جرائم كفر قاسم وغيرها إلى جريمة شاطئ غزة الاخيرة ضد الأطفال.
يبدو المشهد الحقوقي والقانوني اليوم محدود الأفق وإن كان غير مغلق في نفس الوقت؛ إذا ما أخذنا بالاعتبار أن ثمة جرائم حرب أقل بكثير مما يرتكب في غزة ارتكبت في مناطق أخرى من العالم وتمت مطاردتها ولم تفلت من العقاب، ولكن للأسف يبدو أن الحالة في غزة اكثر تعقيدا حيث يفتقد الملف القانوني أي حامل سياسي حقيقي في ضوء الفراغ السياسي العربي وزخم الدعاية الاسرائيلية والغربية التي تصور العدوان ضمن أعمال الشرعية، فمجلس الأمن الدولي مغلق بالفيتو الأميركي ولا ينتظر منه أي جديد، وهذا ما تفسره الجولة الحالية للأمين العام للأمم المتحدة في المنطقة بعد أن فشل مجلس الأمن في وقف العدوان.
حتى المطالبات المتزايدة بانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، هي مطالبات انفعالية وغير محسوبة، فالمحكمة الدولية مغلقة على الفلسطينيين لأن اسرائيل ليست طرفا في اتفاقية المحكمة، حيث ترفض إسرائيل أن تكون طرفا في معاهدة روما لتكريس الإفلات من العقاب بالنسبة لقادتها المدنيين والعسكريين المتورطين في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، وعربيا لا يوجد سوى أربع دول عربية تتمتع بعضوية المحكمة.
النافذة المفتوحة التي قد تساهم إلى حد ما في إحداث الفرق في المشاغلة القانونية والحقوقية هي المحاكم الوطنية لبعض الدول التي تسمح قوانينها بمتابعة جرائم الحرب، وأهمها المحاكم الأوروبية، فبعض المحاكم الأوروبية لديها قدرة على المساءلة الجنائية الدولية، لكن للأسف أيضا فإن العديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وبلجيكا قامت بتغيير قوانينها مؤخرا بضغط اسرائيلي أميركي.
علينا أن نتذكر دوما أن قواعد القانون الدولي وضعها المنتصرون، ويُفعّلها الأقوياء في الاغلب، وبدون حامل سياسي لا قيمة لهذه القواعد، ما يجعل الكثيرين لا يعترفون بوجودها في الاصل، العمل المهم أمام الفلسطينيين في هذا الجانب هو توثيق ملفات الجرائم الاسرائيلية بمشاركة جهات دولية موثوقة في توثيق هذه الجرائم، فالكثير من جرائم اسرائيل على مدى ستة عقود لم توثق لا محليا ولا دوليا في ملفات حقوقية معترف بها من مراجع دولية. إن طبيعة المسؤولية الدولية على جرائم اسرائيل باعتبارها قوة احتلال والتي تكفلها القواعد الدولية لا تنتهي بالتقادم أو الزمن، والمتمثلة بالتعويض عن كافة الأضرار التي لحقت بالمدنيين نتيجة العدوان، وفي الجانب الجنائي يتمثل ذلك بمحاكمة الأشخاص والقادة الذين تورطوا بهذه الجرائم.
0 comments:
إرسال تعليق