قد يختلف الكثيرون مع السياسة التحريرية لقناة الجزيرة الإخبارية والسياسة الفعلية للدولة التي تديرها، ولكن هذا لا يبرر بأي حال الأحكام الصادمة والقاسية التي صدرت بحق صحفيي الجزيرة، والتي وصفت من معظم، إن لم يكن من كل المنظمات الدولية التي تعنى بحرية الصحفيين وحمايتهم، بأنها احكام قاسية بدون قضية أو جريمة فعلية، علاوة على وجود خلاف داخلي وسط القضاء المصري حول الأحكام التي صدرت فيما سمي " قضية الماريوت" حيث يشهد القضاء جدلاً سياسياً وحقوقياً، مع الحكم الذي اعتبره بعضهم مخالفًا للدستور من الناحية الشكلية، والذي نص على عدم حبس الصحفيين في قضايا النشر، حيث تدور التهم حول "نشر أخبار كاذبة من شأنها زعزعة استقرار البلاد".
البعد الآخر الذي تثيره هذه الأحكام أنها صدرت بحق صحفيين أجانب يعملون بالبحث عن المعلومات ومعالجتها ونقلها إلى الجمهور، وهي مهمة الصحافة الأساسية ويعملون، لدى محطة إخبارية دولية تعود ملكيتها لدولة توصف علاقتها منذ سنوات بالدولة التي صدرت فيها الأحكام بالتوتر والاستهداف المتبادل ما يجعل شبهة التسييس واردة.
من باب الخوف على مصر، وبعيدا عن صراع المواقف والآراء التي توظف فيها العواطف والمصالح والأموال، فإن هذه الأحكام لا تخدم سمعة مصر ولا مستقبلها القريب، بل تجسد فكرة "الانقلاب العسكري" وتروّج لها بقوة، وهو الأمر الذي قد لا يخدم فكرة الاستقرار التي تسعى اليها النخبة السياسية الجديدة في القاهرة.
صحيح أن الفضاء العربي الجديد قد حرك البحيرات الراكدة في العالم العربي، ووفر منذ نحو عقد ونصف العقد معرفة جديدة وتحديدا معرفة إخبارية ساهمت في طريقة فهم المجتمعات العربية للتحولات التي تشهدها، وبعيدا عن الجدل حول دور هذه الفضائيات في التحريض على الثورات والتحولات العربية، فإن من المؤكد إن الإعلام الإخباري العربي قد وقع في شباك الاستثمار السياسي، وفي المحصلة يدفع الصحفيون أنفسهم الثمن.
ولهذا، شهدت هذه الصناعة الإعلامية أكبر استثمار سياسي صراعي، لأغراض سياسية صرفة، ما ضيع على الإعلام الفضائي العربي فرصة النمو المهني الذي كان من المؤمل الوصول إليه بعد ازدهار الصحافة التلفزيونية في النصف الأول من العقد الماضي كما عكستها المحطات الإخبارية وما أثبتته من قدرة على المنافسة الإقليمية والدولية.
في مراحل التحول الديمقراطي يمارس الإعلام دور الشاهد على هذا التحول والمختبر الذي نختبر من خلاله مدى سلامة التحول الديمقراطي، وعلى كل الأحوال وفي كل التجارب فإنه كما يجب أن يكون الإعلام مستقلا بعيدا عن التصنيع السياسي؛ فإن ممارسة الصحافة التي تحمي حق الناس بالمعرفة ليست جريمة، بل الجريمة الحقيقية هي سلب حريات الصحفيين وحبسهم.
0 comments:
إرسال تعليق