ذلك يفترض العودة إلى أسئلة مركزية: هل تغير المجتمع الأردني؟ وكيف يتم هذا التغير؟ وهل يشير هذا التغير إلى ديناميكية تدل على حيوية هذا المجتمع، أم أن التحولات التي تُرصد منذ سنوات ببطء تحمل بذور انتكاسة اجتماعية، أو أننا أمام حالة لا تتوفر إجابات حاسمة بشأنها؟ على كل الأحوال، نحن من دون شك أمام "خميرة" أردنية جديدة تفتح الآفاق نحو إجابات متعددة. ولعل أكثر الاحتمالات بنائية وإيجابية يرتبط بنمط استجابة المؤسسات والسياسات العامة، والإجابات التي تقدمها لأسئلة التحول التي قد تؤسس لميلاد جديد للدولة.
بالمراجعة السريعة لهذه التحولات، يتوفر لدينا أكثر من منظور يساعد في فهم طبيعة هذا التغيير وحدوده. ويمكن أن نأخذ بعضها كقاعدة ينطلق منها النقاش، وربما تصلح جميعها.
- الفجوة والاختلالات التنموية. ففي المجمل، عملت سياسات برامج الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة، وهي إحدى أدوات التحديث، على خلق أوضاع اجتماعية غير مسبوقة في سياق تطور المجتمع الأردني؛ حينما تراجع دور الدولة في تقديم الرعاية، مقابل عدم تقديم بدائل مؤسسية قوية في المشاركة. ما يُعد من أهم أسباب عودة الجماعات المرجعية الأولية والهويات الفرعية إلى الواجهة، ونمو أنماط ثقافية جديدة، وإحياء أنماط ثقافية كان من المعتقد أنها زالت.
- تفاقم الصراع داخل المجتمع التقليدي. ويعتمد هذا الاتجاه على العشيرة كوحدة تحليل لتفسير الاتجاهات الجديدة؛ باعتبار أن ما يحدث من تحولات تتم داخل المجتمع التقليدي، وهو نتيجة استمرار بنية اجتماعية تقليدية تجد دعماً ومساندة من بعض القوى الاجتماعية والسياسية. ويرى هذا الاتجاه التفسيري أن قوى هذا المجتمع تستقوي على بعضها بعضاً، وتستقوي على الدولة أحيانا وتقاسمها استخدام القوة التي من المفترض أن الدولة وحدها هي التي تحتكرها. في الوقت نفسه، يجد هذا الاتجاه أن العشائر قد ظلمت ووضعت في معركة ليست لها، حينما تم تسييسها لمصالح وأجندات بعينها.
- تفاقم الخلل في العلاقة بين المجتمع والدولة. ويعتمد هذا الاتجاه على العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة كوحدة تحليل. ويقصد بالدولة هنا السلطات الثلاث الممثلة بالحكومة، والبرلمان، والسلطة القضائية؛ على اعتبار أن استرخاء الدولة في ممارسة حقها في احتكار القوة وفي كفاءة التمثيل وفي دورها كضامنة للعدالة، خلق أنماطا من الاختلالات نتيجة الاسترضاء حينما تتعلق الوقائع بالأمن الاجتماعي من جهة، والقسوة والمبالغة حينما تتعلق الأمور بالأمن السياسي من جهة أخرى.
- علاقات الخارج بالداخل. ينحو هذا الاتجاه إلى تفسير ظواهر التغيير بعوامل مرتبطة بظروف خارجية، انعكس تراكمها على المجتمع والدولة، منها عوامل اقتصادية وأخرى سياسية. ومن أمثلتها الحروب والظروف الإقليمية، وتراكم تآكل بنية الاقتصاد الوطني تحت وطأة تراجع المساعدات الدولية، واستمرار الضغط على الموارد والبنية التحتية، وتدفق اللاجئين والتغيرات السريعة في هوية البنية الديمغرافية وتكوينها، ما أدى إلى تفاقم التناقضات الاجتماعية.
- الاختلالات التي تواجهها الطبقة الوسطى. وأهمها اضمحلال هذه الطبقة، وتراجع بعض أدوارها، نتيجة الظروف الاقتصادية، وانتشار البطالة والفقر بين فئاتها الدنيا؛ ما أدى إلى اهتزاز المكانة الأخلاقية لهذه الطبقة.
- اضطراب ثقافة ومدركات العدل والإنصاف. إذ يشير مفهوم "ثقافة الفقر" إلى تكيف الفقراء مع مجموعة من الظروف الموضوعية في المجتمع. وفي حال ظهور هذه الثقافة، فإنها تستمر وتنتقل من جيل إلى آخر؛ فيتعلم الأطفال منذ صغرهم هذه القيم والاتجاهات الأساسية. في المقابل، ثمة شعور لدى الفقراء بتراجع قدرة الدولة على إدراك العدالة وممارستها، وتحديدا لدى أبناء المجتمعات المحلية في المحافظات.
0 comments:
إرسال تعليق