منذ نحو خمس سنوات اخذت مؤشرات الاختلالات السياسية والتنموية تأتي بشكل واضح من المحافظات، لكن العاصمة إلى هذا اليوم غير قادرة على قراءة هذه الرسائل بذهنية الدولة الحكيمة، منذ بدايات ظاهرة العنف المجتمعي بالبروز على السطح في صيف 2009 بالتوازي مع تنامي العنف الطلابي وازدياد انتشار المخدرات في المحافظات، ونمو بؤر ساخنة لتيارات دينية متطرفة في أكثر من محافظة، وتوالي تدهور المؤشرات التنموية وتراجع نوعية الحياة وتحدي تراكم انتشار الفقر والبطالة.
في المقابل ماذا كان الرد، المزيد من عروض "البور بوينت" وحملات الاستعراض في عمان، وهناك تمارس الإدارات المحلية ثقافة التستر "وكل شيء تمام يا سيدي"، الوجه الآخر للأزمة يتمثل في الفجوة الاتصالية والتي تعني ضعف تدفق المعلومات بين العاصمة والمحافظات وضعف قدرة المواطنين في المحافظات على إيصال مطالبهم وشؤونهم وشجونهم إلى العاصمة، وازدادت هذه الأزمة مع ضعف القدرات التمثيلية للنواب الذين صعدوا خلال آخر ثلاثة مجالس.
لا ينكر أي متابع لشؤون التنمية في الأردن بأن قضية تنمية المحافظات قد احتلت مكانة مركزية في عمل الحكومات خلال آخر عشر سنوات، وأن ثمة مخصصات رصدت أحيانا في بعض القطاعات، ولكن لماذا لم نلاحظ فروقا حقيقية على الارض، ولماذا ظلت مؤشرات رداءة الحياة تتصاعد، ولماذا نمت بؤر توتر ومظاهر اختلالات أخذت طابعا اجتماعيا واحيانا سياسيا؟
إن الرؤية التي تتعامل بها المؤسسات مع قضية التنمية في المحافظات ما تزال سطحية ولم تدخل في العمق، ولم يصل إلى واضعيها، أولا: أن المحافظات تحتاج إلى تحول اجتماعي اقتصادي متوازن وليس مجرد منافع اقتصادية، وهنا مربط الفرس في اغفال اهمية التحول الاجتماعي. ثانيا: يقرأ ضعف أثر الجهود الحكومية في المحافظات في إغفالها أن ما يبني التنمية في المحافظات هو بناء قاعدة إنتاجية محلية وليس مشاريع وهمية او فرص عمل رخيصة لعمال لا يعملون ولا ينتجون. ثالثا: عشوائية البنى التحتية، فهناك جهود لا تنكر في توفير بنى تحتية، وفي بعض المحافظات تجد على سبيل المثال بنى تحتية في مرافق التعليم والمدارس أكبر من الحاجة، ولكن في بلدة مجاورة يحتاج الأطفال للمسير أكثر من أربعة كيلومترات للوصول إلى المدرسة حيث لا يوجد مخططات شمولية جادة لتوزيع البنى التحتية تلبي حاجات التحول الاجتماعي وبناء قاعدة إنتاجية حقيقية في كل اقليم. رابعا: إن الكثير من جهود التنمية التي بذلت خلال هذه المرحلة هي تنمية بالاسترضاء، سعت الى تهدئة الخواطر هنا وهناك، وكانت تجيب عن سؤال ما يريده بعض الناس لا ما يحتاجه الناس بالفعل. خامسا: تعدد الجهات التي تعنى بتنمية المحافظات من وزارة البلديات الى وزارة التخطيط الى وزارة الداخلية الى صندوق تنمية المحافظات والعديد من المؤسسات الأخرى التي لا يوجد بينها أي تكامل أو تنسيق، ولا أحد يقيس أثر ما تفعل هذه الجهات، فيما أصبحت أوضاع المحافظات مصدرا لجلب المنافع لقطاع يتنامى من مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني التي تحصل على امتيازات ومنافع دون أن تترك الحد الأدنى من الأثر المطلوب.
الرسائل القادمة من معان والطفيلة والمفرق وعجلون وغيرها تحتاج أن تُقرأ جيدا في عمان بذهنية الدولة القادرة والعادلة وليس بذهنية ردود الفعل الشخصية.
0 comments:
إرسال تعليق