مرّ أكثر من أسبوع على صدور هذا التقرير الذي يعد أهم وثيقة في تقييم السياسات الاقتصادية في تاريخ الدولة الأردنية، ولم نتجرأ لا في الإعلام ولا في المعارضة ولا في مؤسسات الدولة الرقابية السيادية على الإشارة بوضوح إلى حجم المخالفات والفساد الذي تم في هذه العمليات التي تحدّث عنها التقرير بوضوح بدون مبالغة ولا تقليل، ما يعني أن تيار إضعاف الدولة باسم الخصخصة الهشة والمشبوهة أصبح متعمقا في مفاصل الحياة العامة وما يزال يدافع عن المكتسبات التي حققها.
النقاش اليوم ليس على الاتفاق مع منهج الخصخصة أو رفضها، فلقد تبلورت قناعة واسعة لدى الرأي العام بالحاجة إلى التحول إلى القطاع الخاص، أو البحث عن شركاء أكثر كفاءة في بعض القطاعات، ولكن النقاش اليوم، والذي يجيب عنه هذا التقرير، هو كيف تمت هذه العملية وبأي أثمان وبأي أطر دستورية وقانونية.
كيف تحول الاحتكار العام الذي هو ملك للمجتمع إلى احتكار خاص، كما حدث مع شركة الاسمنت، وكم حجم خسائر المجتمع وقطاع الإنشاءات جراء هذا النمط من الخصخصة، وكيف تفتقد الخصخصة أحد أهدافها الاستراتيجية في نقل التكنولوجيا وزيادة الكفاءة، كما حدث في قطاع الكهرباء حيث ما تزال البنية التحتية للكهرباء هي التي ورثتها عن القطاع العام والتي شيّدت منذ عقود والتي اكتشفنا مؤخرا كم هي بنية متواضعة، ثم من المسؤول عن المخالفات الدستورية وتحديدا المادة 117 والتي تتحدث عن وجوب أن لا يمنح أي امتياز في مجالات التعدين والمناجم أو المرافق العامة إلا بقانون، والتي أدت إلى شبهات الفساد التي ما تزال معلقة حول خصخصة الفساد وحول منح رخص بعض شركات الاتصالات.
يتناول التقرير خصخصة 19 شركة ومؤسسة بلغ حجم الخصخصة فيها 1.7 مليار دينار ذهبت جلها الى إطفاء الدين العام الذي عاد كما كان بعد ستة اشهر، ربما نذهب في الخيال أبعد قليلا لنسأل ما حجم الفوائد او الخسائر التي انعكست على الاقتصاد والدولة والمجتمع لو لم تتم الخصخصة، والسؤال الثاني ما هو حجم العائد على الدولة والمجتمع لو تمت عمليات الخصخصة بالحد المعقول من الكفاءة، في التقديرات فيما يتعلق بالسؤال الثاني فإن حجم الخسائر قد يصل إلى 8 مليارات، وهو رقم تقديري ليس دقيقا، وهو الفرق بين القيمة الحالية للمرافق المخصخصة وما حصلت عليه الدولة.
يقر التقرير بأن أكبر معضلة في تاريخ الخصخصة الأردنية هي قطيعة النخب التي أشرفت عليها مع الرأي العام وعدم التواصل مع الناس وافتقاد إجراءاتها للشفافية، ما أدى إلى تعميم بعض الصور النمطية، وهو الأمر الذي ما يزال للأسف سائدا حتى في التعامل مع التقرير الحالي في نمط القراءة الإنشائية لما جاء به والمطالبة الخجولة بطي صفحاته.
المشكلة إذا ما قارنا بين ما تمت خصخصته (1.7 مليار دينار)، وما هو متوقع خلال عشر سنوات قادمة من مشاريع تعدين وامتيازات وإنتاج الطاقة والمواصلات وغيرها والتي تقدر بنحو 10 مليارات دينار، فإن ما جاء به التقرير يحتاج إلى مناقشة جريئة وأكثر شجاعة وأن لا يمر كما مر غيره.
0 comments:
إرسال تعليق